تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعم لقد وفق الدكتور عمارة غاية التوفيق فى جمع عناصر الموضوع، وربط أطرافه، كما وفق فى تقريب معانى النصوص الشرعية التى تناولت جهود الصحابة ومؤازرتهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى إبلاغ الدعوة، وإقامة الدولة، ثم بين بوضوح ما أشارت إليه هذه النصوص، من صفاتهم الخلقية، وصلتهم العبادية بربهم، التى ظهروا بها طوال جهادهم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم مع من بعده، فى إرساء هاتين الدعامتين: تبليغ الدعوة وتأسيس الدولة، وقد أخذت الشعوب بهذه الأخلاق وتلك السجايا، التى تحلى بها هؤلاء الرجال، فانشرحت لهم الصدور، وتفتحت لهم القلوب، فتسربت المبادئ التى جاءوا بها، والأحكام الشرعية التى حملوها معهم، إلى أفئدة أهالى تلك الأقاليم التى فتحوها، برقة وسلاسة، واستقرت بها، بل وتجذرت، وكأنها نبتت فيها منذ أمد بعيد، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صاروا جنودًا لها، يتقدمونها، بل يركبون لها الأمواج، ويفتحون لها الحصون، لتصل إلى كل الأصقاع والأمصار.

إن الأخ الكريم يتوقع من التمثيل الدرامى - وهو من أحسم أسلحة العصر - أن يحمل صور هذه النماذج الرائعة - عديمة النظير - إلى هذه الأجيال من المسلمين لتكون طاقةً خلاقة، تثير فيهم الرغبة لتفعيل مبادئ الإسلام، وإحياء العناصر المتميزة للنهضة الحضارية الإسلامية التى ظلت البشرية عالةً عليها ردحًا طويلاً من الزمن، وإنى أضيف: وأفاضت عليها الكثير والكثير من رحمتها وسماحتها وعدلها، إلى جانب إيحائها لأنواع الفنون والثقافات الإنسانية التى كانت قد اندثرت، مع ظهور كثير من العلوم والمعارف التى لم يكن يعرفها العالم من قبل، حتى عرفهم العالم بأنهم صناع حضارة.

وإنى أشارك الأخ الكريم هذا التقدير لهؤلاء الرجال العظام - وإن قصر قلمى عن بلوغ شأوه فى رسم الصورة الرائعة التى كانوا عليها (رضوان الله تعالى عليهم)، كما أشاركه الأمانى فى تحقيق ما يرجوه من الخير لهذه الأجيال، من وراء هذا العمل إذا ما تحقق.

إلا أنه وضع معيارًا موضوعيًا - استقاه من تراثنا - ليقاس به جودة هذا العمل، ليكون مفتاحًا لإباحة هذا العمل أو استحبابه، أو منعه وحرمته، وهذا المعيار هو (المحافظة على الحقيقة التى عبرت عنها الصورة القرآنية لهذا الجيل الفريد، والمؤسس لهذه النعمة العظمى التى نعيش فى كنفها وعزها وظلالها؛ نعمة الإسلام وحضارة الإسلام)، ثم يؤكد هذا المعنى بقوله: (وإذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد حبى أمة الإسلام بهذا الرصيد الضخم والعظيم من هذا الجيل الفريد والمؤسس - جيل الصحابة - فإن الحفاظ فى ثقافتنا التاريخية والفنية على صورته المثالية وقدوته الدافعة وأسوته الحسنة هو المقصد الشرعى الدائم، والمعيار الذى يجب أن يحكم أحكام الحل والحرمة فى التناول الدرامى والفنى لسيرة وتاريخ هؤلاء الأصحاب الكرام) (العدد السادس من الرسالة).

وباختصار:

فالحفاظ على الصورة التى رسمها القرآن الكريم لهؤلاء الرجال العظام، هو المعيار الذى ارتضاه الأخ الكريم للقول بالحل والحرمة، ولا أظن أحدًا لا يرتضى معه هذا المعيار.

إلا أن هذا المعيار لا يمكن تحقيقه فى المستقبل المنظور على الأقل حسب الإمكانات المتاحة والمعايير الموجودة الآن، أما بعد هذا المستقبل المنظور فهو غيب، لا يمكن الرجم به.

إن الخشية من الابتذال، بل والامتهان لحياة هذه المجموعة المتميزة من البشر هو الهاجس المرعب الذى يدفعنى لهذا الموقف، حيث يحتفظ المسلمون لهم بأجمل وأعطر السِّيَر الذاتية لحياتهم ذات الأبعاد المتعددة، من الشجاعة والتواضع والحزم والحلم والعزة على الكافرين والذلة للمؤمنين، ونحو ذلك من الصور التى أشار إليها القرآن الكريم، ونتساءل: هل يوجد من الممثلين الحاليين أو السابقين من يستطيع أن يستوعب هذه الصورة القرآنية لهؤلاء القادة العظام والرواد الكرام، فضلاً عن القدرة على تمثيلها ومحاكاتها، لأخذ العبرة منها، والتأسى الحسن بها؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير