تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اعلم يا أخي: أن الله تبارك وتعالى قد أنعم على هذه الأمة الإسلامية من جملة نعمه عليها بنعمة عظيمة وجليلة، ألا وهي نعمة كمال الدين وتمامه، فلم يتوف رسوله ? إلا بعد أن أكمل الدين ورضيه له ولأمته، فأنزل على رسوله ? قبل وفاته بأشهر في حجة الوداع قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ().

قال ابن عباس ? في تفسير هذه الآية: " أخبر الله نبيه ? والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدا " ().

ولهذا كانت اليهود تحسد المسلمين على هذه الآية كما روى الشيخان أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر فقال: (آية في كتابكم تقرؤنها لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.

قال: وأي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

وقد أخبر النبي ? بكمال الدين وأنه لا يسع أحد الخروج عنه إلا هلك فقال: " إني تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " ().

فإذا تقرر ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزيد في دين الله ما ليس منه، ولا أن يعبد الله إلا بما شرع الله ورسوله، بل يجب على المسلمين جميعا أن يخضعوا لأمر الله ورسوله، وأن يتبعوا الكتاب والسنة، وأن لا يبتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله ولم يشرعه رسوله مهما رأوه حسنا، وزينته لهم أنفسهم، لأن الدين كمل وليس فيما خرج عنه إلا البدعة والضلال. ()

والبدعة مذمومة من جهة النظر والنقل الشرعي العام:

فمن جهة النظر:

• أحدها: أنه قد علم بالتجارب أن العقول غير مستقلة بمصالحها استجلابا لها، أو مفاسدها استدفاعا لها، لأنها إما دنيوية أو أخروية:

فأما الدنيوية: فلا يستقل باستدراكها على التفصيل ألبته، لا في ابتداء وضعها أولا، ولا في استدراك ما عسى أن يعرض في طريقها، إما في السوابق، وإما في اللواحق، فلولا أن من الله على الخلق ببعثة الأنبياء؛ لم تستقم لهم حياة، ولا جرت أحوالهم على كمال مصالحهم، وهذا معلوم بالنظر في أخبار الأولين والآخرين.

وأما المصالح الأخروية: فأبعد عن مصالح العقول من جهة وضع أسبابها، وهي العبادات مثلا، فإن العقل لا يشعر بها على الجملة، فضلا عن العلم بها على التفصيل.

فعلى الجملة: العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي، فالابتداع مضاد لهذا الأصل.

• الثاني: أن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان:

والمبتدع حاصل قوله بلسان حاله أو مقاله: أن الشريعة لم تتم، وإنه بقى منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها. لأنه لو كان معتقدا كمالها وتمامها من كل وجه؛ لم يبتدع ولا استدرك عليها.

وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.

قال ابن الماجشون: سمعت مالكا يقول: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمدا ? خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم}، فما لم يكن يومئذ دينا؛ فلا يكون اليوم دينا.

• الثالث: أن المبتدع معاند للشرع و مشاق له:

لأن الشارع قد عين لمطالب العبادة طرقا خاصة على وجوه خاصة، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها، وأن الشر في تعديها؛ لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول رحمة للعالمين.

فالمبتدع راد لهذا كله، فإنه يزعم أن ثم طرقا أخر ليس ما حصره الشرع بمحصور، ولا عينه بمتعين، كأن الشارع يعلم ونحن أيضا نعلم.

بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشرع أنه علم ما لم يعلمه الشارع.

وهذا إن كان مقصودا للمبتدع، فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود؛ فهو ضلال مبين.

• الرابع: أن المبتدع قد أنزل نفسه منزلة المضاهي للشارع:

لأن الشارع وضع الشرائع، وألزم الخلق الجري على سننها، وصار هو المنفرد بذلك، و إلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام.

فهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرا ومضاهيا، حيث شرع مع الشارع، ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفى بذلك.

• الخامس: أنه اتباع للهوى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير