6 - التعمية على بعض الممارسات المعادية للدين الحق، وقد تطور هذا في العصور المتأخرة إلى وسائل أكثر تعمية كأن تفتتح في الموالد بعض المشاريع الكبرى وتقام " المهرجانات الدينية " من أجل الاحتفال بسيد المرسلين ?، وتكون الرسالة التي يراد لها أن تبلغ الجميع أنه ليس أغير على النبي ? ودينه من هؤلاء، ويقدم الرسول ? في أدبياتهم على أنه شخصية تاريخية كان لها أثرها في تاريخ الأمة العربية! شأنها شأن العظماء؛ ومع انتهاء الحفل يسدل الستار حتى إشعار آخر.
وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى أخره، ـ ويعلل ذلك بما " رآه الفرنسيون في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتباع الشهوات، والرقص، وفعل المحرمات ".
ويعلق عبد الرحمن الرافعي قائلا: " فنابليون قد استعمل (سياسة الحفلات) ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن عن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين " ().
أسباب انتشار هذه البدعة وكل بدعة
1 - اتباع الهوى: ومن هذا الباب سمي أهل البدع أهل الأهواء؛ لأنهم قدموا أهواءهم ورجحوا آراءهم، وجعلوها مساوية للنصوص الشرعية , أو أعلى منها درجة ودلالة , بل ربما جعلوا عقولهم وأذواقهم هي الأساس والأدلة الشرعية للتعضيد والاستئناس. قال ابن تيمية: وأصل الضلال: اتباع الظن والهوى.
2 - قلة العلم بالشرع المنزل:كما قال الإمام أحمد في وصف المبتدعة: ( ... عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين) ().
وأهل الأهواء والبدع على عكس أهل السنة الذين من صفاتهم الرسوخ في العلم ورد المتشابه إلى المحكم، إذ من صفات المبتدعة الزيغ، وقلة العلم، واتباع المتشابه، فمن جهة الجهل بالشرع حصل لهم الزيغ، فتركوا الأدلة المحكمة واتبعوا المتشابه فقادهم ذلك إلى الابتداع.
وفروع جهل المبتدعة بالشريعة كثيرة ومتنوعة منها:
• الجهل بالحديث النبوي وبمراد النبي ?.
• الجهل بالآثار الواردة عن السلف ?.
• الجهل بمقاصد الشريعة.
• الجهل بكلام العرب وأساليبهم.
• الجهل بقواعد العلوم وأصولها، كالمطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين.
• الأخذ بالأحاديث والآثار والنقولات الواهية، والمكذوبة.
• أخذ الأدلة الشرعية مجزأة عن بعضها، وعدم تصور الشريعة صورة واحدة متكاملة متصلة.
• جعل كلامهم وأصولهم هي المحكمة، وكلام الشارع هو المتشابه المجمل.
3. اتباع العوائد: وهي على أقسام:
1. اتباع الآباء والمشايخ، على طريق أولئك الذين حكى الله عنهم {وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مقتدون} ()، وهذا هو التقليد المذموم الذي يقود صاحبه إلى الاستنان بآراء وأقوال الرجال، وطرح الهدى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، التقليد الذي يطرح صاحبه به الحق، ويعتنق بسببه الباطل.
2. اتباع المذهب والطائفة: وهو أيضا من التقليد المذموم، الذي قاد إلى بدع كثيرة، واتباع المذاهب والطوائف في الحق والباطل , من أكبر المنكرات وأعظم المحرمات، بل هو مسلك اليهود كما قال الله عنهم: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} ()، فوصف اليهود: أنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به والداعي إليه، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.
وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم أو الدين من المتفقهة أو المتصوفة أو غيرهم، فإنهم لا يقبلون من الدين رأيا ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم.
¥