3. اتباع العادة والعرف الشائع: وهذا من أسوء أنواع التقليد، إذ يظن البعض أن الأمر المبتدع إذا جرت به العادة بين الناس أو أصبح عرفا عندهم، أو شاع وانتشر في الناس فإنه لا يقبل المعارضة ولا يتطرق إليه النقض.
بل مما يزيد هذا الأمر سوءا أن يعتقد أن مجرد الاعتياد على الفعل وكونه أصبح شائعا متعارفا عليه، يكسبه شرعية تجيز فعله، مع أنه من المعلوم الثابت في الشريعة أن (شيوع الفعل لا يدل على جوازه) ومع ذلك فإن كثيرا من العامة وأشباههم، يعتنقون كثيرا من البدع على أنها سنن، بسبب عمومها وشهرتها واستدامة مبتدعيها لفعلها.
بل ويحتجون بذلك على كونها سننا، أو بدعا حسنة، ويجعلون ذلك الجاري والشائع بين الناس إجماعا لا تصح مخالفته، ولو كانت مباينته للسنة جلية واضحة.
ومن الأسباب:
4. أخذ أهل السلطة بها أو سكوتهم عنها، أما أخذ السلطة بالبدعة , وكونه سببا في انتشارها، فيؤكده ما حدث مع المعتزلة، وكيف أنهم استطاعوا من خلال التأثير على خلفاء بني العباس , أن ينشروا بدعهم ويرغموا الناس على الأخذ بها، واعتقادها , وكثير من البدع انتشرت تحت وطأة الرغبة أو الرهبة من الحاكمين أو المتسلطين.
5. كون المبتدع من ذوي الفصاحة والبيان , وقد قال المصطفى ?: إن من البيان لسحرا " ().
ومن البيان الذي يعتمد عليه أهل البدع الشعر وسائر صنوف الأدب، وهذا مما يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم ويخلب عقولهم، وهو الذي يشبه بالسحر، إذ يغلب على النفس حتى يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته.
وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح ويحمد؛ لأن في تحسين الكلام وتحبير الألفاظ وتجميل الأساليب تزيينا للحق، كما أن العكس بالعكس، فكم أضل ابن الفارض بقصائده، والمعري بشعره، والجاحظ بمؤلفاته وكتبه.
6. احتفاء المبتدعة ببعضهم وتعاونهم فيما بينهم:
وهذا من الأسباب القوية التي أدت إلى انتشار البدع، ومما قيل في هذا المعنى وأصبح كالمثل السائر: احتفي به كاحتفاء الشيعي بالشيعي والمعتزلي بالمعتزلي. ()
ويا ليت أن أهل السنة في أيامنا احتفى بعضهم ببعض وتعاونوا فيما بينهم وصبروا على نشر السنة كما صبر أهل البدع على نشر بدعهم.
والبدع سريعة الانتشار، تنجم كقرون المعزى، تستلفت أنظار الدهماء فيعمى دونها الذين لا يبصرون، ويصم عنها الذين هم عن السمع معزولون، فتعود صغار البدع عندهم كبيرة، بعد أن كان أولها صغيرا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع الخروج منها فعظمت، وصارت دينا يدان بها، فخالف أصحابها الصراط المستقيم.
ولما كثرت البدع وعم ضررها، ودام الإنكباب على العمل بها، والسكوت من أهل العلم والفقه عن الإنكار لها، صارت وكأنها سنن مقررات، وشرائع محررات؛ فاختلط المشروع بغيره، والتبس بعضها ببعض إلا على من عصم الله، مع أن الداخل في هذا الأمر اليوم، فاقد المساعد إلا ما شاء الله، ينحو منحى عمر بن عبد العزيز ?؛ حيث يقول: (ألا وإني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره).
فرحم الله الخليفة ابن عبد العزيز؛ إذ التنبيه على البدع، أمر لا سبيل إلى إهماله، ولا يسع أحدا ممن له منّة، إلا أن يأخذ بالحزم والعزم المشوبين بالحكمة والموعظة الحسنة، في بثه بعد تحصيله، وإن كره المخالف، فكراهيته لا حجة فيها على الحق ألا يرفع منارة، وألا تكشف وتجلى أنواره.
قال سيد التابعين أويس القرني رحمه الله: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يدعا للمؤمن صديقا؛ نأمرهم بالمعروف، فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى والله رمونا بالعظام، وأيم الله، لن أدع أن أقوم فيهم بحقه).
وقال الأوزاعي رحمه الله: (إن السلف رحمهم الله تشتد ألسنتهم على أهل البدع، وتشمئز قلوبهم منهم، ويحذرون الناس بدعتهم، ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس، ما كان لأحد أن يهتك سترا عليهم، ولا يظهر منهم عورة، الله أولى بالأخذ بها، وبالتوبة عليها، فأما إذا جاهروا، فنشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله ? رحمة، يعتصم بها على مصر ملحد).
¥