ـ[أبوعبد الرحمن حسن بن محمد]ــــــــ[20 - 03 - 06, 04:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فلمَّا كان الجنُّ يوافقون الإنسَ في التناكح والتناسل، والمحبة والعشق والميل إلى بعضهم البعض .. قد يحدثُ نوعُ محبةٍ وعِشْقٍ من بعض الجنِّ للإنس.
إلاَّ أنه لا يصح من الجنيِّ، أو الجنيَّة - شَرعاً - نكاحٌ ولا عشقٌ للإنسي، أو الإنسية.
نعم؛ حدوثُ ذلك عقلاً وواقعاً على الصحيح ممكنٌ، والحاكم في ذلك: دليل الشرع، والحسّ والواقع والمشاهدة؟!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (19/ 39):
(وقد يتناكح الإنس والجن ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف، وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه، وكره أكثر العلماء مناكحة الجن).
واستُدِلَّ على إمكان الوقوعِ - عقلاً- بقوله تعالى:
{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} سورة الإسراء، الآية: 64.
وهذا الاستدلال من أوجه تفسير هذه الآية.
نُقل ذلك عن مجاهد - رحمه الله - قال: (إذا جامع الرجل أهله فلم يُسَمِّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه، فذلك قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} سورة الرحمن، الآية: 56 (انظر: تفسير ابن جرير 27/ 151)
قال الإمام القرطبي-رحمه الله -في تفسيره (17/ 181) مُبيِّناً وجه استدلال مجاهد: (وذلك بأن الله تبارك وتعالى وصف الحور العين بأنه لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان: يعلمك أن نساء الآدميات قد يطمثهن الجان، وأن الحور العين قد برئن من هذا العيب ونُزِّهنَ).
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (9/ 229):
عند شرحه لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- ولفظ الحديث:
(لو أنَّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، فقال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إنْ يُقدَّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضره شيطان أبداً) متفق عليه.
قال الحافظ - رحمه الله -:
(وقيل: لم يضرُّه بمشاركة أبيه في جماعِ أمِّهِ كما جاء عن مجاهد: أنَّ الذي يجامع ولا يُسمِّي يلتفُّ الشيطان على إحليله فيجامع معه، ولعلَّ هذا أقرب الأجوبة).
ومن الأدلة على إمكان حدوث الجماع والنكاح بين الجن للإنس، قوله تعالى:
{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}
سورة الرحمن، الآية:56.
ووجه الاستدلال بهذه الآية:
أنَّ الله عزَّ وجلَّ نفى أن يكون قد واقع نساء الجنة قبل أزواجهن فيها أحدٌ من الإنس والجن في الدنيا،مما يدل على إمكان حدوث جماع الجن لنساء الإنس، أو جماع الإنس لنساء الجن.
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله- في تفسيره (27/ 150):
(وإنما عنى في هذا الموضع - أي بالطَّمْثِ (الطَّمْثُ: إزالة البكارة عند أول جماع) - أنه لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان).
ثم نَقَلَ -رحمه الله- جملةً من الآثار عن السلف -رحم الله الجميع-:
تدلُّ على حدوث الجماع بين الجن والإنس.
وفي تفسير الإمام البغوي - رحمه الله - (4/ 275):
(قال الزجاج: فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي).
وعند الإمام ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير (8/ 122):
(في الآية دليلٌ على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي).
وقال الألوسي - رحمه الله - في تفسيره (27/ 119):
(ونفي طمثهن عن الأنس ظاهر، وأما عن الجن فقال مجاهد والحسن: قد تجامع الجن نساء البشر مع أزواجهن إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى، فنفى هنا جميع المجامعين.
وقيل:لا حاجة إلى ذلك، إذ يكفي في نفي الطمث عن الجن إمكانه منهم، ولا شك في إمكان جماع الجنيِّ إنسيةً بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى).
والفخر الرازي في تفسيره (29/ 130) يقول:
(ما الفائدة في ذكر الجان، مع أنَّ الجانَّ لا يجامع؟ فنقول: ليس كذلك، بل الجن لهم أولاد وذريات، وإنما الخلاف في أنهم:
هل يواقعون الإنس أم لا؟ والمشهور: أنهم يواقعون،وإلا لما كان في الجِنَّةِ أحسابٌ ولا أنسابٌ، فكان مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها) وانظر: تفسير القرطبي (17/ 181) وابن كثير (4/ 279) وغيرهما.
.
¥