وكراهة كثيرٍ من العلماء مناكحة الجن - كما سيأتي ذِكْرُه بَعْدُ إن شاء الله تعالى -: دليلٌ على إمكانه، لأنَّ غير الممكن لا يحكم عليه بجوازٍ، ولا بعدمه في الشرع؟!. انظر: آكام المرجان في أحكام الجان (ص66).
وحاصل ما تقدم ذِكْرُهُ:
أنَّ نكاح الجن من الإنس: إنما صحته تكون في العقل والواقع؛ فإذا كان يصح عقلاً،فهل يصح شرعاً، أو بمعنى آخر: هل يجوز في الشرع: زواجٌ بين الجن والإنس؟ هذا ما سيأتي ذِكْرُهُ …
وأمَّا صحة التناكح بين الجن ولإنس:
فالمختارُ الذي تنصره الأدلة: أنَّه لا يجوز شرعاً، ومن الأدلة على ذلك:
أولاً:
قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} سورة النحل، الآية:72.
وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم، الآية:21.
وقال جلا وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} سورة الأعراف، الآية:189.
قال أئمة التفسير والعلم - رحم الله جمعَهم الكريم- في تضاعيف مؤلفاتهم المباركة:
(امتنَّ الله سبحانه وتعالى على بني آدم أعظمَ مِنَّةٍ: بأنْ جعل لهم من أنفسهم أزواجاً من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكوراً وإناثاً، وجعل الإناث أزواجاً للذكور، ولم يجعل الجنَّ أزواجاً للإنس للتباين في الجنس والطبع.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} سورة النحل، الآية:72.
فسياق الآية جاء في معرض الامتنان، وقد تقرر في علم الأصول:
أنَّ النكرة في سياق الامتنان تعمُّ، فقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} جمع مُنكَّرٌ في سياق الامتنان فهو يعمُّ، وإذا عمَّ دلَّ ذلك: على حصرِ الأزواج لنا فيما هو من أنفسنا أي: من نوعنا وشكلنا.
والجنُّ ليسوا من أنفسنا، فلم يُجعل منهم أزاوج لنا، فلا يكونون لنا أزواجاً لفوات المقصود من حلِّ النكاح من بني آدم، وهو: سكون أحد الزوجين إلى الآخر، لأنَّ الله تعالى أخبر أنه جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها.
فالمانعُ الشرعيُّ حينئذ من جواز النكاح بين الإنس والجن:
عَدَمُ سكون أحد الزوجين إلى الآخر.
إلا أنْ يكون عن عشقٍ، وهوى متبعٍ من الإنس والجن، فيكون إقدام الإنسي على نكاح الجِنيَّةِ للخوف على نفسه، وكذلك العكس؛
إذ لو لم يقوموا على ذلك لآذوهم، وربما أتلفوهم البتَّة.
ومع هذا فلا يزال الإنسي في قَلَقٍ، وعدمِ طمأنينة، وهذا يعود على مقصود النكاح بالنقص.
وأخبر الله تعالى أنه جعل بين الزوجين: مودة ورحمة، وهذا منتف بين الإنس والجن، لأنَّ العداوة بين الإنس والجن لا تزول بدليل قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} سورة البقرة، الآية36.
وثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حديث أبي موسى الأشعري
-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(فناء أمَّتي بالطعن والطاعون،فقيل: يا رسول الله! هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: وَخْزُ أعدائكم من الجن-وفي رواية: طعن أعدائكم من الجن-،وفي كلٍّ شهادة).
وعن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه -رضي الله عنه-قال: ذُكِرَ الطاعون عند أبي موسى فقال: سألنا عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فقال:
(وخزُ أعدائكم الجن، وهو لكم شهادة).
فإذا انتفى المقصود من النكاح وهو سكون أحد الزوجين إلى الآخر، وحصول المودة والرحمة بينهما: انتفى ما هو وسيلة إليه، وهو: جواز النكاح).
ثانياً:
وممَّا يدلُّ على عدم الجواز: عدو حصول الإذن من الشرع، فإنه لا يُعلم دليلٌ من الكتاب ولا من السنة الصحيحة جواز مناكحة الجن والإنس.
وقد قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} سورة النساء، الآية:3.
¥