تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقَالَ َتَعَالَى: ? قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم إنَّ اللهَ خبيرُ بمَِا يَصنَعُونَ ? الآية [النور: 30] قَالَ قَتَادَةُ بنُ دعامَةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في قوله:?قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ?:"أي:عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ". ذكره البخاري بصيغة الجَزمِ.

فهذان موضعان ضَمِنَ اللهُ فيهِما للمؤمنِين الذين يَغُضُّون أبَصَارَهُم بالفَلاحِ، أمَّا الموضِعُ الأوَّلُ فقَد جاءَ ذلِكَ بأقوى أنوَاعِ التَّوكِيدِ: حيثُ أتى بحرفِ التحقيق (قَدْ)، وأتى بالجُملَةِ في صِيغَةِ الخَبَر، ثُمَّ ذَكَرَ صِفَاتِ المؤمنينَ وَمنهَا أنَّهُم:?لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ? ولا ريبَ أنَّ حِفظَ الفَرج لا يَكون إلا بِغَضِّ البَصَرِ، فالنَّظرُ بريدُ الزِّنَا.

وفي الموضع الثاني: أمرَ المؤمنينَ بِغَضِّ البَصَرِ، وأخبر أن ذلك ?أَزْكَى لَهُم?، وقد أعلمنا اللهُ سُبْحَانَهُ أنَّ التزكيَةَ توجبُ الفلاحَ حيثُ قال: ?قَد أفلَحَ مَن زَكَّاهَا? وقَالَ: ?قَد أفلَحَ مَن تَزَكَّى?، ومن اللَّطيفِ أنًّه أتى بالتَوّكيدِ هنا بِنفسِ الصيغَةِ التي في أتى بها في الآية السابقة، فتأمَّل أيها الأخ الكريم عِظَمَ هَذَا الجَزَاء، وداوم على استحضاره، فيساعدَك في غَضِّ بَصَرِك.

ومن اللَّطائِفِ: أن اللهَ ذَكَرَ آيَةَ النُّورِ فِي قَوْلِهِ: ?اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ? عَقِبَ قَوْلِهِ: ? قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ? ليدلَّ على أَنَّ غَضَّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ نُورًا وَإِشْرَاقًا، كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُورِثُ ذَلِكَ ظُلْمَةً وَكَآبَةً. أفادَه شيَخُ الإسلامِ تَقيُّ الدينِ ابنُ تَيمِيَةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى.

ومن الآيات الواردة في هذا الباب: قولِه تَعَالَى: ?إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً? [الإسراء: 36].

وقولِه تَعَالَى: ?يَعْلَمُ خَائِنةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ? [غافر: 19]، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ فِي تفسير هذِهِ الآيةِ: "الرَجُلُ يَكُونُ في القَومِ فَتَمُرُّ بِهم المَرأةُ فَيُرِيَهِم أنَّهُ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنهَا، فَإنْ رَأى مِنهُم غَفلَةً نَظَرَ إليهَا؛ فَإن خَافَ أنْ يَفطَنُوا بِه غَضَّ بَصَرَهُ عَنهَا، وَقَد اطَّلَعَ اللهُ مِن قَلبِهِ أنَّهُ وَدَّ أنَّهُ نَظَرَ إلى عَورَتِهَا" أَخْرَجَه الإمامان أبو بكر ابن أبي شيبَةَ و أبو بكر ابن المُنذرِ رَحِمَهُما الله تَعَالَى وغيرهما.

وَقَال تَعَالَى: ?إنَّا عَرضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَالجِبَالِ فَأبينَ أنْ يَحمِلنَهَا وَحَمَلََهَا الإنسانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومَاً جَهُولاً?.

قالَ ابنُ عُمَرَ ? فِي تَفسِيرِ هذِهِ الآيةِ:" مِن تَضِييعِ الأمَانَاتِ النَّظَرُ في الدُّورِ وَالحُجُرَاتِ". أَخْرَجَه الإمامُ أبو بَكرٍ ابنُ أبي الدُنيَا رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «الورع» والإمام أبو بكر البيهَقيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «شُعَبِ الإيمَان ِ».

فَصلٌ

في ذِكرِ االأحاديث الوَارِدَةِ في الحَضِّ عَلَى غَضِّ البَصَرِ

َأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ? عَنْ النَّبِيِّ ? قَالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ:" وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ فَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ، وَالْفَمُ يَزْنِي فَزِنَاهُ الْقُبَلُ".

وَأَخْرَجَ الْأئمة أَحْمَدُ وأبو بكرٍ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الموصِليُّ رَحِمَهُم الله تَعَالَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ? عَنْ النَّبِيِّ ? قَالَ:" الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يَزْنِي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير