تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تُخشَى مَضرَّتُهُ من وجهٍ، وتُرجى منفعتُه من وجهٍ، ومع عداوتهِ لا يُستغنى عن الاستعانةِ به، فحقُّ العاقلِ أن يأخذَ نفعَهُ، ولا يسكنَ إليهِ، ولا يعتمدَ عليه إلا بقدر ما يَنتفعُ بهِ.

وأ يضاً، فإن هذه الشَّهوةَ هي المشوِّقةُ لعامَّة النَّاسِ إلى لذَّاتِ الجنَّةِ، من المأكلِ والمشربِ والمَنكَحِ، إذ ليس كُلُّ النَّاسِ يعرفُ اللَّذَّاتِ المعقولةِ، ولو توهمنَاها مُرتفعةً لما تشوَّقُوا إلى ما وُعدُوا بهِ".

فَصلٌ

في معنى غَضِّ البَصَرِ و حُكمِهُ:

أمَّا معنى الغضِّ: فَمادَّةُ الغضِّ تُفيدُ مَعنَى الخفضِ والنَّقصِ، فغَضُّ البَصَرِ ِ: هُو عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ التَّحْدِيقِ وَاسْتِيفَاءِ النَّظَرِ، فَتَارَةً يَكُونُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي الطَّرْفِ كَسْراً وَفُتُوراً خِلْقِيَّيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَولِ كَعْبٍ بنِ زُهيرٍ:

وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ البينِ إذ رَحَلُوام 1 إلا أغنُّ غَضِيضُ الطَّرفِ مَكحُولُ 1

كما أنه َيكونُ تَارةً من مَذَلَّةٍ كَمَا قَالَ جَريرٌ:

فَغُضَّ الطَّرفَ إنَّكَ مِن نُمَيرٍ ي م فَلا كَعبَاً بَلغتَ وَلا كِلابَاً 1

ويَكُونُ َتَارَةً لِقَصْدِ الْكَفِّ عَنْ التَّأَمُّلِ حَيَاءً أو خجلاً مِنْ الخَلقِ كما قال عَنتَرَةُ:

وَأغُضُّ طَرفِي حِينَ تَبدُو جَارَتِي 1 م حَتى يُوَارِي جَارَتِي مَأواهَا 1

وهَذِه المَعانِي كُلُّهَا غُيرُ مَقصُودَةٍ هنَُا، وإنمَّا المقصُودُ: غَضُّ البَصَرِ خَوفَاً مِنَ اللهِ تَعَالى وَعِقَابِهِ، وَامتِثَالاً لأمرِِهِِ.

فَمِن المَعلُومِ مِن الدِّينِ ضَرُورةً أنَّ الشَرعَ أمَرَ بِحفظِ الفُروجِ وَحرَّم الزنا، بَل إنَّ ذَلكَ مِن أعظَمِ مَقَاصِدِهِ، وَالأمرُ بحفظِ الفُروجِ يَتضمَّنُ الأمرَ بحفظِ الأبصَارِ لأنَّ النظرَ بَريدُ الزنا وَرَائِدُه، فَيكُونُ غَضُّ البَصَرِ مِن بَابِ سدِّ الذريعِةِ، وَلكِنَّ اللهَ تَعَالى أمرَ بِغَضِّ البَصَر تصريحاً زيادةً في الاهتمَامِ والزَّجرِ.

وَقد دَلَّ الكِتابُ وَالسُنَّةُ وَالإجمَاعُ عَلى ذَلكَ، أمَّا الكِتَابُ فَقولُه تعالى: ? قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم إنَّ اللهَ خبيرُ بمَِا يَصنَعُونَ ? الآية [النور: 30].

وإما السُنَّة: فقد أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عن أَبي سعيد الخُدري ?، عن النَّبيّ ?، قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ! " فقالوا: يَا رَسُول الله، مَا لنا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ، نتحدث فِيهَا. فَقَالَ رسولُ الله ?:" فَإذَا أبَيْتُمْ إلاَّ المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ ". قالوا: وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله؟ قَالَ:"غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ".

وأمَّا الإجمَاعُ فَقَد حَكَاهُ غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العلم، قال الإمام أبو مُحَمَّدٍ ابنُ حَزمٍ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «مراتب الإجماع»: "واتَّفَقُوا على وُجُوب غَضِّ البَصَرِ عَن غَيرِ الحَريمَةِ والزَّوجَةِ والأمَةِ، إلا من أراد نِكاحَ امرأةٍ حلَّ لهُ أنْ ينظُرَهَا".

وقال الإمَامُ أبو بكرٍ بنُ عَبدِ اللهِ العَامِريُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «رِسَالتِه في أحكَامِ النَّظر»: "إنَّ الذي أجمعتْ عليه الأُمَّةُ، واتَّفَقَ عليهِ عُلماءُ السَّلفِ وَالخلفِ مِن الفُقَهاءِ والأئمَّةِ: هُو نَظَرُ الأجانِبِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بَعضُهُم إلى بَعضٍ، وَهُم مَن لَيسَ بينَهُم رَحِمٌ مِن النَّسبِ، ولا مَحرَمٌ مِن سَببٍ كالرِّضَاعِ وَغيرهِ، فََهؤلاءِ حرامٌ نَظَرُ بعضِهم إلى بَعضٍ".

فَصلٌ

في ذِكرِ الآيات الوَارِدَةِ في الحَضِّ عَلَى غَضِّ البَصَرِ

قَالَ َتَعَالَى: ?قَد أفلَحَ المؤمِنونَ (1) ? إلى قَولِهِ: ?وَالذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ (4) إلا عَلَى أزوَاجِهِمْ أو مَا مَلَكَتْ أيمَانُهُم فَإنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ (5) فَمَن ابتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأولئِكَ هُمُ العَادُونَ (6) ? [المؤمنون:1 - 6].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير