وفيه: قالَ سُفيانُ: "كانَ الرَّبيعُ بنُ خَثيمٍ يَغُضُّ بَصرَهُ فَمرَّ بِه نِسوةٌ فَأطرَق حتى ظَنَّ النِّسوةُ أنَّه أعمَى، فتعوَّذنَ باللهِ مِنَ العَمَى! ".
وفي البُخَارِيِّ: قَالَ الزُّهْرِىُّ فِى النَّظَرِ إِلَى الَّتِى لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ: لاَ يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَىْءٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً.
وفي تَفسِير القُرطُبِيِّ:" وَلقَد كَرِهَ الشَّعبِيُّ أن يُديمَ الرَّجُل النَّظَر إلى ابنته أو أمِّه أو أختِه، وزمَانُه خَيرٌ مِن زَمانِنَا هَذَا!! ".
وَفي «صِفةِ الصَّفوَةِ»: قَالَ شُجَاعٌ الْكَرْمَانِيُّ رحمه الله تعالى: "مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَأَكَلَ مِنْ الْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ فِرَاسَتُهُ" وَكَانَ شُجَاعٌ لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ.
فَصلٌ
في ذِكرِطَرَفٍ من كلامِ العُلماءِ في غَضِّ البَصَرِ
في «كتابِ الوَرَعِ» للإمام أحمد: قال الْمَرُّوذِيُّ: قُلتُ لأبِي عَبدِ اللهِ: رَجُلٌ تَابَ وَقَالَ: لَو ضُرِبَ ظَهرِي بِالسِيَاطِ مَا دَخلتُ في مَعصِيةٍ، غَير أنَّهُ لا يَدُعُ النَّظَرَ!. قَالَ: "أيُّ تَوبَةٍ هَذِهِ!! ".
وفيه: قُلْت لِأَحْمَدَ رضي الله عنه: الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ؟ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ، كَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ. وقال البُخَارِيَُ في «صحيحه»: "وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِى يُبَعْنَ بِمَكَّةَ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِىَ".
وقال الإمامُ الحَارثُ المُحَاسِبيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «رِسَالَةِ المُستَرشِدينَ»:"قَدْ جَعَلَ اللهُ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ أمرَاً ونهياً فَريضَةً مِنهُ وَجَعَلَ بَينَهُمَا سِعةً وإباحَةً تركُهَا فَضيلةٌ للعبدِ". ثم قال: "وَفرضُ البَصَرِ: الغَضُّ عَنِ المحارِمِ، وَتَركُ التَّطَلعِ فيما حُجِبَ وسُتِرَ".
وقال الإمامُ أبو حَامِدٍ الغَزَالِيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «الإحيَاءِ»:" زِنَا العَينِ – أي: النَّظَرُ- مِن كَبَائِرِ الصغَائِر وَهُو يُؤدِّي إلى القُربِ عَلَى الكبيرةِ الفَاحِشَةِ وَهِي زِنَا الفَرجِ، وَمَن لمَ يَقدِر عَلَى غَضِّ بَصَرِه لم يَقدِر عَلَى حِفظِ فَرجِهِ". قلتُ: وقول أبي حامد:"مِن كَبَائِرِ الصغَائِر" إذا لم يكن فاعلُه مُصِرَّاً عليه فَقد قَالُوا: لا صَغيرَةَ مع إصرارٍ، وَقد رَوَى البَيهَقِيُّ في «الشُّعَبِ» عن عُبيدَةَ السَّلمَانِي قَالَ: "كُلُّ مَا عُصِيَ اللهُ بِهِ فَهُوَ كَبيرَةٌ، وَقَد ذَكر الطَّرفَةَ فَقَالَ تَعَالَى: ? قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ?". وَاَللَّهُ أعلَم.
وقال ابن الجوزيِّ في «المواعِظِ وَالمجالِسِ»:"أكثَرُ فَسَادِ القلبِ مِن تَخلِيطِ العينِ: مَا دَامَ بَابُ عَينِ البَصَر مُوثَقَاً فَالقَلبُ سَليمٌ مِن كُلِّ آفَّةٍ، فإذَا فُتِحَ طَارَ الطَّائرُ، وَرُبَّمَا لمَ يَعُد بَعدُ".
وقال في «ذمِّ الهوى» بعد أن قال كلاماً في غضِّ البصَرِ "فتفهَّم يا أخي ما أوصِيك بِه، إنَّما بصرُك نعمةٌ من الله عليكَ فلا تعصِهِ بنعَمِهِ، وعامِلهُ بغضِّه عن الحرامِ تربَح، واحذَرْ أن تكونَ العُقوبَةُ سَلبَ تلكَ النِّعمةِ، وكُلُّ زمنِ الجهادِ في الغضِّ لحطةٌ، فإن فعلتَ نلتَ الخيرَ الجزيلَ، وسلمتَ من الشَّرِّ الطويلِ ألم تسمع قولَ القائلِ:
إنِّي إذا ذلَّ الحريصُ وأقولُ للنَّفسِ اطمئنِّي 11 عززتُ في ظلِّ القناعَهْ فالشَّجاعةُ صبرُ ساعهْ" 11 ِ
وقال الإمام أبو عبد الله القُرطُبِيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى في «تفسيره»:"البصرُ هو البابُ الأكبرُ إلى القلبِ، وأعمَرُ طرقِ الحواسِّ إليهِ، وبحسَبِ ذلك كَثُرَ السُّقوطُ مِن جهتِه، وَوَجبَ التحذيرُ منهُ، وغضُّه واجبٌ عن جميعِ المُحرَّماتِ، وكُلِّ ما يُخشَى الفتنَةَ مِن أجلِهِ".
¥