كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا 1 حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ 111
الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَإِنَّ النَّظَرَ بَابُ الشَّهْوَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى مُوَاقَعَةِ الْفِعْلِ، وَتَحْرِيمُ الرَّبِّ تَعَالَى وَشَرْعُهُ حِجَابٌ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ، فَمَتَى هَتَكَ الْحِجَابُ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَلَمْ تَقِفْ نَفْسُهُ مِنْهُ عِنْدَ غَايَةٍ، لِأَنَّ النَّفْسَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا تَقْنَعُ بِغَايَةٍ تَقِفُ عِنْدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ لَذَّتَهُ فِي الشَّيْءِ الْجَدِيدِ.
فَصَاحِبُ الطَّارِفِ لَا يُقْنِعُهُ التَّلِيدُ، وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ مَنْظَراً أَوْ أَطْيَبَ مَخْبَراً.
فَغَضُّ الْبَصَرِ يَسُدُّ عَنْهُ هَذَا الْبَابَ، الَّذِي عَجَزَتْ الْمُلُوكُ عَنْ اسْتِيفَاءِ أَغْرَاضِهِمْ فِيهِ، وَفِيهِ غَضَبُ رَبِّ الْأَرْبَابِ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّهُ يُقَوِّي عَقْلَهُ وَيُثَبِّتُهُ وَيَزِيدُهُ، فَإِرْسَالُ الْبَصَرِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ قِلَّةٍ فِي الْعَقْلِ، وَطَيْشٍ فِي اللُّبِّ، وَخَوَرٍ فِي الْقَلْبِ، وَعَدَمِ مُلَاحَظَةٍ لِلْعَوَاقِبِ، فَإِنَّ خَاصَّةَ الْعَقْلِ مُلَاحَظةُ الْعَوَاقِبِ، وَمُرْسِلُ الطَّرْفِ لَوْ عَلِمَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ طَرْفِهِ عَلَيْهِ لَمَا أَطْلَقَ بَصَرَهُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَأَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ سَبَباً 1 حَتَّى يُفَكِّرَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُهُ 111
الْعَاشِرَةُ: أَنَّهُ يُخَلِّصُ الْقَلْبَ مِنْ سَكْرَةِ الشَّهْوَةِ وَرَقْدَةِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُوجِبُ اسْتِحْكَامَ الْغَفْلَةِ عَنْ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَيُوقِعُ فِي سَكْرَةِ الْعِشْقِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي عُشَّاقِ الصُّوَرِ: " لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " فَالنَّظْرَةُ كَأْسٌ مِنْ خَمْرٍ، وَالْعِشْقُ سُكْرُ ذَلِكَ الشَّرَابِ.
وَآفَاتُ الْعِشْقِ تَكَادُ تُقَارِبُ الشِّرْكَ، فَإِنَّ الْعِشْقَ يَتَعَبَّدُ الْقَلْبَ الَّذِي هُوَ بَيْتُ الرَّبِّ لِلْمَعْشُوقِ". ا. هـ كلامُهُ ولا مَزيدَ عليهِ.
وَفَوَائِدُ غَضِّ الْبَصَرِ وَآفَاتِ إطْلَاقِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، وَقَدْ عَلِمْت الْفَوَائِدَ وَالْآفَاتِ فِي ضِمْنِهَا، فَمَا مِنْ فَائِدَةٍ إلَّا تَرْكُهَا آفَةٌ وَمَفْسَدَةٌ.
فصلٌ
في مُعالجةِ الهمِّ والفكرِ المتولِّدِ عن النَّظرِ
قال ابن الجوزيِّ في «ذمِّ الهوى»: "إعلم وفَّقَك اللهُ أنَّكَ إذا امتثلتَ المأمورَ بهِ من غَضِّ البصرِ عندَ أوَّلِ نظرةٍ سَلمتَ من آفاتٍ لا تُحصَى، فإذا كَرَّرتَ النَّظرَ لم تأمن أن يزرَعَ في قَلبِكَ زَرعَاً يَصعُبُ قلعُهُ، فإن كانَ قد حَصَل ذلكَ فعلاجهُ بالحميَّةِ بالغَضِّ فيما بعدُ، وقطعِ مرادِ الفكرِ بسَدِّ بابِ النَّظرِ فحينئذٍ يَسهُلُ عِلاجُ الحاصلِ في القلبِ لأنَّهُ إذا اجتمعَ سيلٌ فسدَّ مجراهُ، سَهُلَ نزفُ الحاصلِ، ولا علاجَ للحاصلِ في القلبِ أقوى مِن قَطعِ أسبابِهِ، ثُمَّ زجرِ الاهتمام بِه خوفَاً من عُقوبَة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَتَى شرعتَ في استعمالِ هذا الدَّواءِ، رُجيَ لكَ قُربُ السَّلامةِ، وإن ساكنت الهمَّ تَرقَى إلى دَرجةِ العزمِ، ثُمَّ حَرِّك الجَوارحَ".
فَصلٌ
فِي ذِكرِ طرفٍ ِمِن الأشعَارِ المُتعَلِّقة بِِمَا نحنُ بِصدَدِه
في «بَهجَةِ المَجالِس وأُنسِ المُجَالِس» للإمام أبي عمر ابن عبدِ البرِّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: قال محمود الورّاق:
من أطلَقَ الطَرْفَ اجتَنى شَهَوةً و الطَرْفُ للقلب لسانٌ فإنْ 1 وحارسُ الشَّهوةِ غَضُّ البَصَرْ أرادَ نُطقاً فليُكِرَّ النَّظَرْ! 1 ِ
وفيه: وقال آخرٌ:
خليليَّ للبغضاء عينٌ مُبينَةٌ إلا إنَّما العينانِ للقلبِ رائدٌ 1 وللحُبِّ آياتٌ تُرى ومعارفُ فما تألفُ العينانَ فالقلبُ يألفُ ِ
وفي «ذمِّ الهوى»:
ليسَ الشُّجاعُ الذي يَحمي مَطيَّتَهُ لكنْ فتىً غَضَّ طرفاً أو ثنى بصراً 1 يومَ النِّزَالِ ونارُ الحربِ تشتعلُ عَن الحرامِ، فذاكَ الفارسُ البطلُ 1 ِ
وفيه: قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
¥