ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:36 ص]ـ
حادي عشر: ملحقات بهذا البحث:
1 - تأملات في جارحة البصر:
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/ 8) "تأمل كيفية خَلْق الرأس وكثرة ما فيه من العظام حتى قيل: إنها خمسةٌ وخمسون عظماً مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع، وكيف ركَّبه سبحانه على البدن وجعله عالياً، وجعل حاسة البصر في مُقَدَّمِه ليكون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن، وركَّب كل عينٍ من سبع طبقات، لكل طبقة وصفٌ مخصوص، ومقدار مخصوص، ومنفعة مخصوصة لو فقدت طبقةٌ من تلك الطبقات السبع أو زالت عن هيئتها وموضعها؛ لتعطلت العين عن الإبصار.
ثم أركز سبحانه داخل تلك الطبقات السبع خلْقاً عجيباً وهو إنسانُ العين بقدر العَدَسَةِ يُبْصر به ما بين المشرق والمغرب والأرض والسماء، وجعله من العين بمنزلة القلب من الأعضاء، فهو ملكها، وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خَدَمٌ له وحُجَّاب وحرَّاسٌ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
فانظر كيف حسَّن شكل العينين وهيئتهما ومقدارهما!!.
ثم جمَّلهما بالأجفان غِطاءً لهما وستراً وحفظاً وزينةً؛ فهما يتلَقَّيان عن العين الأذى والقذى والغبار ويُكِنَّانِهما من البارد والحار المؤذي.
ثم غَرَسَ في أطراف تلك الأجفان الأهداب جمالاً وزينةً، ولِمنافعَ أخَر وراء الجمالِ والزينةِ.
ثم أودعهما ذلك النُّورَ الباصرَ والضوءَ الباهرَ الذي يخرقُ ما بين السماء والأرضِ، ثم يخرقُ السماء مجاوزاً لرؤية ما فوقها من الكواكب.
وقد أودع سبحانه هذا السر العجيب في هذا المقدار الصغير بحيث تنطبع فيه صورةُ السماوات مع اتساع أكنافها وتباعد أقطارها " ا هـ.
وإن سألت عن كيفية شكر نعمة البصر، فأقول: أن تغضه عمن حُرّمَ النظر إليه، وتطلقه في الآفاق، وفي أجناس الكائنات، وأنواع المبدعات، وأصناف المحدَثات من شمس وقمر، وبر وبحر، وثمر وشجر، وسماءٍ وأرض وما بينهما من المخلوقات كلها، وتنظر بعين الاعتبار وبصر الاستبصار في ذلك كله، تجده مسبحاً ممجداً مقدساً موحداً ذليلاً خاضعاً فقيراً خاشعاً، قائماً على أقدام العبودية، ناطقاً لمولاه بالألوهية، شاهداً لخالقه بالوحدانية، مقراً له بالربوبية، قائلاً لك بلسان الحال: أيها الغفول الجهول ألا تنتبه من رُقادِك، وتعمل لمعادك، وتنظر إلينا أصلاً وفصلاً، وبدايةً ونهايةً، وتشهد حالنا، وتطالع رِبْقَة افتقارنا، مَن ابْتَدأنَا من العدم إلى الوجود؟ مَن أمدَّنا بالبقاء؟ مَن أودعنا أسراره؟ مَن أظهر فينا قدرته واقتداره؟ " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت " " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " إلى غير ذلك من الآيات.
فَهَلاَّ عَرَفْنَا نِعْمَتَه وحَقَّه عَلَيْنَا فَتُبْنَا!!
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:37 ص]ـ
2 – مناظرة بين العين والقلب:
لما كانت العين رائداً، والقلب باعثاً و طالباً، وهذه لها لذَّةُ الرؤية، وهذا له لذَّةُ الظفر، كانا في الهوى شريْكَيْ عِنان؛ ولمَّا وقعا في العناء، واشتركا في البلاء، أقبل كلٌ منهما يلوم صاحبه و يُعاتِبُه …
فصلٌ في لوم القلب للعين
قال القلب للعين: أنتِ التي سُقْتِنِي إلى موارد الهلَكات، و أوقعتِني في الحسَرات بِمُتَابعتِكِ اللَّحَظات، و نزَّهْتِ طرفكِ في تِلكَ الرياض، وخالفتِ قولَ أحكم الحاكمين " قل للمؤمنين …" فَمَنِ الملُومُ سوى مَنْ رَمَى صاحبَهُ بالسهم المسموم؟ أوَ ما علِمْتِ أنَّه ليس شيءٌ أضرَّ على الإنسان من العين واللسان؟ فَمَا عَطِبَ أكْثَرُ مَنْ عَطِبَ إلا بهما، وما هلَك من هلك إلا بسببهما، فلله كم مِنْ مَوْرد هلكةٍ أورداه، ومصدرِ ردىً عنه أصدراه، فمن أحبَّ أن يحيا سعيداً أو يَعِشْ حميداً فَلْيَغُضَّ مِن عِنان طَرْفه ولسانه ليسلمَ مِن الضرر، فإنَّه كامنٌ في فضول الكلام وفضول النظر، وقد صرَّح الصادقُ المصدوق بأنَّ العينين تزنيان وهما أصل زنى الفرج، فإنَّهُمَا له رائِدَتان، وإليه داعيان، أوَ ما سمِعْتِ قولَ العُقَلاء: مَنْ سرَّح ناظرَهُ، أتْعَبَ خاطِرَهُ، ومَنْ كثُرَتْ لحَظاتُهُ، دَامَتْ حسَراتُهُ، وضاعَتْ عليهِ أوقاتُهُ، وفاضَتْ عبراتُهُ…
¥