كل ذلك بالقدر والمنزلة من الخير والشر باعتبار بعضها ببعض (1).
النقطة الثانية: تعريف الصغائر اصطلاحاً: فيما يلي أهم التعاريف للصغيرة، هذا عرضها ثم بيان الراجح منها:
1 ـ قول ابن عباس وأبي عبيدوأبي ثور الكلبي وأحمد بن حنبل: «الصغيرة ما دون الحدَّين: حد الدنيا وحد الآخرة» (2).
أي: كل ما لم يوجب حداً في الدنيا، أو وعيداً في الآخرة.
وبتعبير آخر: كل ذنب لم يُختم بنارٍ، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب وهو تعريف جيد.
2 ـ قول سفيان الثوري: «الصغائر ما كان بينك وبين الله» (3).
يرد عليه: إن أراد أنها أصغر من ذنوب العبد فيما بينه وبين العباد؛ لأن الثانية لا يجري فيها المساهلة والإسقاط؛ فمُسلَّمٌ من هذا الوجه، وإن أراد الإطلاق في كل ذنب بين العبد وربه، فهذا غير مُسَلَّمٍ لورود ذنوب كثيرة منصوص عليها بأنها من أعظم الكبائر في جملة ما يكون بين العبد وربه؛ كترك الصلاة، أو الصوم، أو ترك دفع الزكاة.
3 ـ قول الماوردي: «الصغائر ما قلَّ فيها الإثم» (4)
وهو مقياس صحيح عموماً، فإنَّ الصغائر من اسمها ينبغي أن يكون إثمها قليلاً، لكن يرد عليه بأن فيه إبهاماً يتعلق بتحديد قلة الإثم والمقياس الضابط لذلك.
4 ـ قول القرافي: «الصغيرة ما قَلَّتْ مفسدتُها» (5)
ويقال فيه ما قيل في سابقه: بأن قِلة المفسدة من علامات الصغائر، لكن معرفة قلة المفسدة وضابطها أمرٌ يصعب مناله.
5 ـ قول ابن حزم: «ما لا تَوعُّد فيه بالنار، فلا يلحق في العِظم ما تُوعِّد فيه بالنار فهو الصغيرة» (6)
ويرد عليه بأنه غير جامع، فالتوعد يكون بالنار ويكون بغيرها؛ كاللعنة والعذاب والغضب.
6 ـ قول ابن نجيم أنَّ الصغيرة: «كل ذنب تاب عنه» (7)
ويرد عليه بأنه غير مانع؛ لأنه يجمع الكبائر التي تاب عنها المكلف، فالكبيرة التي يتوب عنها المكلف لا تصير صغيرة، إنما تمحى بالتوبة ويُزال حكمها.
7 ـ قول أبي الخطاب الحنبلي: «الصغائر هي المستقبحات من المعاصي والمباحات» (8)
وهو تعريف غير صحيح من وجوه:
أ ـ الإبهام: فما هو ضابط القبح في المعاصي.
ب ـ أنه غير مانع؛ لأنه أدخل الكبائر ضمن الصغائر؛ فالكبائر أيضاً من مستقبحات الذنوب.
جـ ـ أنه أدخل مستقبحات المباحات ضمن المعاصي!!.
التعريف المختار للصغيرة:
بعد عرض هذه التعاريف ومناقشتها يمكن اختيار التعريف الأول منها مع زيادة عليه:
فالصغيرة: كل ذنب لم يُوجب حداً في الدنيا، أو وعيداً في الآخرة، وكان قليل المفسدة.
وبعد عرض هذا التعريف لا بد من تجلية معناه والوقوف على حقيقته، ومعرفة الأثر المترتب عليه، إذ هو المعنى المقصود، والغرض المنشود، وهذا يتأتى من خلال ما يلي:
أولاً ـ عرض جملة من صغائر الذنوب مترتبةً على الأبواب الفقهية كي لا يبقى معنى الصغيرة وتعريفها في حد النظرية، وتقليداً لأرباب المذاهب الفقهية الذين أتبعوا تعريف الصغيرة بتعداد جملة من صغائر الذنوب.
النقطة الثالثة ـ تعداد جملة من صغائر الذنوب في ضوء التعريف المختار:
فيما يلي تطبيق للتعريف المذكور في ضبط الصغيرة، في تعداد جملة من صغائر الذنوب، مُستخلَصاً مما ذكره الفقهاء في كتبهم (9)، إذ إنهم نصُّوا على جملة من صغائر الذنوب وميزوها بأعيانها، وذلك وفق الخطة التالية:
ـ ترتيب الصغائر على أبواب الفقه.
ـ عدم تحري كل الصغائر بل المقصود التمثيل بالصغائر المذكورة.
ـ طرح ما نصَّ عليه الفقهاء أنه من الصغائر وهو ليس كذلك.
من كتاب الطهارة: استقبال القبلة أو استدبارها ببولٍ أو غائطٍ في الفضاء، إدخال النجاسة إلى المسجد، استعمال النجاسة في ثوبٍ أو بدن.
من كتاب الصلاة: الصلاة وقت الكراهة ـ البيع عند نداء الجمعة ـ الاختصار (10) في الصلوات، والعبث، والالتفات أيضاً ـ البيع والشراء في المسجد ـ إمامة الرجل والقوم له كارهون ـ الكلام والإمام يخطب.
من كتاب الصوم: الصوم في يوم منهي عنه ـ مباشرة الصائم وتقبيله إذا لم يأمن.
من كتاب الزكاة: دفع الزكاة من أردأ المال.
من كتاب الأطعمة والأشربة: إمساك الخمر غير المحترمة ـ الأكل مِن طعام مَن غالبُ مالِه حَرامٌ، وإجابةُ دعوته.
من كتاب النكاح: الخِطبة على خِطبة غيره ـ نكاح الشِّغار ـ مُضارَّة الزوجة.
من كتاب الطلاق: التطليق في الحيض ـ وطء الزوجة المظاهر منها قبل التكفير والرجعة ـ تطليق الزوجة أكثر من واحدة ـ المضارة في الإنفاق.
¥