وذكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي صالح عن رجل من بني أسد عن أبي ذر عن النبي أنه قال:" من أشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يود أحدهم لو يعطي أهله وماله، ويراني ".
وعن ابن عمر قال كنت جالسا عند النبي - عليه السلام - فقال:" أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قلنا: الملائكة. قال: وحق لهم، بل غيرهم،قلنا:الأنبياء قال: حق لهم، بل غيرهم. قلنا: الشهداء.قال: هم كذلك، وحق لهم، بل غيرهم. ثم قال عليه السلام: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني، ويجدون ورقا فيعملون بما فيه، فهم أفضل الخلق إيمانا ".
ورُوي هذا من حديث عمر وهو أصح.
أخبرنا سهيل بن إبراهيم إجازة، قال حدثنا محمد بن فطيس حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، فذكره بمعناه سواء.
قال سفيان بن عيينة: تفسير هذا الحديث وما كان مثله في كتاب الله،وهو قوله: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) (آل عمران 101).
ومن حديث أبي جمعة، وكانت له صحبة قال: قلنا: يا رسول الله هل أحد خير منا؟ قال: قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين يؤمنون بما فيه، ويؤمنون بي ولم يرون، ي ويصدقون بما جئت به ويعملون به، فهم خير منكم ".
فقد أخبر - عليه السلام - أن في آخر أمته من هو خير من بعض من صحبه.
وهذا الحديث رواه حمزة بن ربيعة عن مرزوق عن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة وكلهم ثقات
ومن حديث أبي عبد الرحمن الجهني قال:"بينا نحن عند - رسول الله - عليه السلام - إذا طلع راكبان، فلما رآهما قال كنديان مذحجيان حتى أتياه،فإذا رجلان من مذحج، فدنا أحدهما إليه ليبايعه فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله! أرأيت من رآك فصدقك وآمن بك واتبعك ماذا له؟ قال:طوبى له فمسح على يده وانصرف. ثم قام الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال: يا رسول الله! أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: طوبى له طوبى له. ثم مسح على يده وانصرف ".
ومن حديث طلحة بن عبيد الله قال خرجنا مع رسول الله حتى أشرفنا على حرة واقم وتدلينا منها، فإذا قبور بمحنية فقلنا: يا رسول الله! هذه قبور إخواننا. فقال: هذه قبور أصحابنا ثم مشينا حتى أتينا قبور الشهداء، فقال رسول الله: هذه قبور إخواننا".
وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها وغيرها في معناها في كتاب التمهيد.
وهي أحاديث كلها حسان ورواتها معروفون وليست على عمومها.
كما أن قوله عليه السلام:" خير الناس قرني" ليس على العموم، فهذه أحرى ألا تكون على العموم وبالله التوفيق.
وقد قال - عليه السلام - في قبور الشهداء:" قبور إخواننا " ومعلوم أن الشهداء معه، وهو شهيد عليهم لا يقاس بهم من سواهم.
إلا أن هذه الأحاديث وما كان مثلها نحو قوله عليه السلام " أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره "؟
وقوله - عليه السلام -:" خير الناس من طال عمره وحسن عمله ".
وقوله - عليه السلام -:" ليس أحد عند الله أفضل من مؤمن يعمر في الإسلام للتهليل والتسبيح والتكبير ".
يعارضها قوله - عليه السلام -:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
وفي قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) (التوبة 100)
وقوله (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) (الواقعة 10 - 12) الآية.
ثم قال: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود) (الواقعة 27 28) الآية - ما فيه كفاية وهداية.
وتهذيب آثار هذا الباب أن يحمل قوله (قرني) - عليه الجملة فقرنه - عليه السلام - جملة خير من القرن الذي يليه.
وأما على الخصوص والتفضيل فعلى ما قال عمر في قوله: (كنتم خير أمة) (آل عمران 110) إنما كانوا كذلك بما وصفهم الله، (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فمن فعل فعلهم فهو منهم.
وقد ذكر الله أحوال الناس في القيامة على ثلاثة أصناف (أزواجا ثلاثة) فأصحاب الميمنة،وهم أصحاب اليمين في (سدر مخضود) الآية وأصحاب المشأمة، وهم أصحاب الشمال في (سموم وحميم) (الواقعة 42). والسابقون السابقون في (جنات النعيم) الآية (الواقعة: 12) فسوى بين أصحاب اليمين، وبين السابقين.
والذي يصح عندي - والله أعلم - في قوله " خير الناس قرني " أنه خرج على العموم ومعناه الخصوص بالدلائل الواضحة في أنَّ قرنه - والله أعلم - فيه الكفار والفجار كما كان فيه الأخيار والأشرار.وكان فيه المنافقون والفساق والزناة والسراق،كما كان فيه الصديقون والشهداء والفضلاء والعلماء، فالمعنى على هذا كله عندنا: أن قوله - عليه السلام – " خير الناس قرني " أي: خير الناس في قرني، كما قال تعالى: (الحج أشهر معلومات) (البقرة:197) أي في أشهر معلومات. فيكون خير الناس في قرنه أهل بدر والحديبية ومن شهد لهم بالجنة خير الناس إن شاء الله.
ويعضد هذا التأويل قوله - عليه السلام –: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله " عدَّ من سبق له من الله الحسنى وأصحابه، وبالله التوفيق. اهـ
¥