تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد اشتهر عند كثير من الكتاب والباحثين أن علماء الكلام والفلاسفة المنتسبين للإسلام قاموا بتهذيب وتشذيب علم المنطق اليوناني من كل ما يؤدي إلى الإلحاد والزندقة حتى أصبح يتلاءم مع العقيدة والفكر الإسلامي، بل أصبح وسيلة للدفاع عن عقائد الإسلام وإثباتها بعد أن أزالوا منه ما اختلط به من مسائل فلسفية خصوصا في باب الإلهيات، وأطلقوا على ذلك التهذيب والتشذيب (المنطق الإسلامي) ولكن عند النظر والبحث والدراسة في مدى مصداقية هذه الدعوى يلاحظ الباحث أنها مجرد دعوى واهمة جانبت الصواب فالمنطق الذي ينسب إلى هؤلاء والذي يقال له المنطق الإسلامي ما هو إلا صورة طبق الأصل للمنطق الأرسطي مع تغيير طفيف في العبارات والمسميات لا يرقى إلى درجة الاستقلالية عنه بل فيه دخن كثير ومتابعة واضحة للمنطق الأرسطي حيث قبل هؤلاء المتكلمون والفلاسفة المنطق الأرسطي وعنوا عناية كبيرة بدراسته وشرحه وتحليله، والتعليق عليه، مع محاولتهم تطويره والإضافة إليه إلا أنهم لم ينقدوه نقداً علمياً ومنهجياً واضحاً ومفصّلاً، أو الإتيان بالبديل الإسلامي عنه المعتمد على نصوص الكتاب والسنة سواء كان في طرق الاستدلال أو القياس أو التعريفات، كما أن هؤلاء المتكلمين والفلاسفة وقعوا فيما وقع فيه فلاسفة ومناطقة اليونان من زلل في مسائل الاعتقاد، وتخبط في مناهج البحث والاستدلال، وتشويش في الفكر والشك في المنهج والمعتقد، فمنهم من ألحد ومنهم من تزندق ومنهم من تخبط ومنهم من انحرف به الطريق عن الجادة المستقيمة وما يدري ما يعتقد حتى آل بهم الأمر في آخر حالهم إلى طلب الموت على دين وعقائد العجائز والعوام، وما هذا الزلل والتخبط إلا نتيجة حتمية للطرق وللمسالك التي سلكوها في إثبات العقائد عن طريق المنطق الذي قام في الأساس على المنطق الأرسطي اليوناني بعيداً عن هدي الكتاب والسنة.

وبعد هذا أيصح أن ندعي أن المنطق الإسلامي تأسس وتشكّل على يد هؤلاء المتكلمين والفلاسفة المنتسبين للإسلام؟ لا شك ولا ريب أن هذا لا يصح في نظر الناظر المنصف والباحث عن الحقيقة، وإذا كان الأمر كما ذكرنا نعود فنتساءل أين نجد المنطق الإسلامي البديل للمنطق الأرسطي اليوناني؟

أن الإجابة نجدها بكل وضوح وإنصاف عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الذي نقد المنطق الأرسطي نقداً مفصّلاً لأصوله وقواعده وقضاياه ومسائله، بمنهج علمي دقيق وبتجرد، ولم يكن نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي نقداً محضاً – أي هدماً – فحسب، بل كان فيه تقرير البديل الإسلامي للمنطق الأرسطي، وهو الجانب الذي استفاده الأوربيون من المنهج الإسلامي في المعرفة، واصطلحوا على تسميته بالمنهج التجريبي، يقول الدكتور عبد اللطيف محمد العبد: ((وكان نقد ابن تيمية هذا أول نقد تعرفه الحياة العقلية الإنسانية في نقد المنطق الأرسطي، نقداً منهجياً يقوم على العقل وحده. . .)) (التفكير المنطقي، ص43). وتتمثل أهمية ابن تيمية في نقد المنطق في الآتي:

أولاً: ان نقده للمنطق لم يكن لمجرد الهدم، بل كان لاظهار عدم كفاية هذه الطريقة المنطقية في بلوغ المعرفة، أو في عصمة التفكير الانساني عن الوقوع في الخطأ.

ثانياً: ان ابن تيمية في نقده للمنطق، لم يرفضه مجرد رفض، بل جاء رفضا واعياً عن دراسة وفهم، فهو يناقش المنطق الأرسطي بصفة عامة، ونظرياته وقواعده وبراهينه، ويوضح بطلانها أو عدم كفايتها في الوصول إلى المعرفة الحقة.

ثالثاً: ان ابن تيمية – لهذا يعتبر من الرواد الأوائل من بين مفكري الإسلام الذين رفضوا المنطق الأرسطي، بناء على نقد ومناقشة، لا عن اسقاط أو إحجام أو تكفير، بل على أساس من المناقشة وأبطال البراهين ودحض الحجج وبيان تهافت الأسس التي يقوم عليها.

رابعاً: والواقع ان ابن تيمية بهذا، لا يعتبر فقط أول مفكر إسلامي ينقد المنطق الأرسطي بالدراسة والمناقشة، بل كذلك يمكن القول بأنه سبق مفكري الغرب بما لا يقل عن ستمائة سنة إلى نقد المنطق، ومن الطريف في هذا الصدد أن نذكر أن أغلب ما قال به ابن تيمية من نقد، يقول به كثير من المناطقة المحدثين والمعاصرين.

خامساً: هذا وتعود أهمية ابن تيمية البالغة – بالإضافة إلى ما سبق – إلى رفضه أو إنكاره للميتافيزيقا التي يمكن أن تنشأ على أسس منطقية، كنقده لفكرة الماهية الثابتة، وقوله بعدم وجود الماهيات، وكذا الكليات إلا في الأذهان.

وبهذا يتبين أن ابن تيمية تبع في نقده للمنطق منهج مزدوج قائم على نقده للمنطق الأرسطي وإبطاله، مع التأكيد على الطريقة الإسلامية والأساليب القرآنية المستخدمة في التدليل والبرهان.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير