تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأصول اللسانية في المصادر العربية]

ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[10 - 09 - 06, 01:03 م]ـ

[الأصول اللسانية في المصادر العربية]

د. محمد كشّاش

توطئة

الإنسان بشكل عام ينظر إلى نهايات الأمور لا إلى بداياتها، وإلى أواخر الأشياء لا إلى أوائلها ومبدئها. يجني الثمرة ويحكم على طعمها ويثني على بائعها، ويغضّ النظر عن زارعها ومستنبتها. ويلقي الطَّرْف على لوحة زيتية، فيمدح قماشها وخاماتها، ويعترف بفضل صانعها، من دون النظر إلى جهوده، وما كابده في إخراجها؛ لذلك تراه يناقش في ثمنها، بالنظر إلى كلفة موادها وخاماتها… والأمور في الحياة على النمط المذكور تدور. والذي حمل الناس على هذا السلوك، نظرتهم إلى خواتم الموجودات؛ فبنوا حكمهم على الظاهر وأهملوا الباطن، فضلاً على عدم الحاجة إلى التتبع والتعمق، والانصراف إلى التدبر والتحقق.

إلى جانب أساس آخر، يتمثل في بروز عقدة نقص العربي تجاه الغربي، وشعوره بالتقصير والدونية، فينسب كثيراً من مبادئ العِلْم وبذوره الأولى إليهم، حجته تطورهم التقني وارتفاع مستواهم الحضاري، وتوفر إمكانيات الاختراع والنيّة على الاكتشاف والابتكار والإبداع… مع أن في آبار العربية كثيراً من الإشارات، والمبادئ والأغراس التي تشير إلى أسس علوم أينعت في الأيام الحاضرة… ولم يكن هناك مَنْ ينتدب نفسه لتثميرها واستخراج مدّخرات آبارها؛ فسبقنا غيرنا إلى الريادة، وكتب لنفسه السيادة، وبقينا في الخلف نعاني العجز، وندعي القصور وعدم القيادة. من شواهد العلوم، التي عملت على إنضاجها الإشكالية المتقدمة، اللسانية أو الألسنية ( Linguistic) عامة والعلامية ( Semiology) خاصة. هل عرف العرب العلوم المذكورة في ميدان الدراسات اللغوية؟! أم اكتفوا بالنحو والصرف؟! فظهرت اللسانية من جنى الحضارة الغربية؟! وإذا كان الأمر كذلك، كيف تمكنوا من التواصل وعرفوا التعبير بالإشارات والعلامات التي تمت إلى السيمياء ( Semiology)؟؟! عند انتفاء معرفتهم السيمياء، تسقط مصداقية الدراسة ((اللغة والحواس))!! …، وتتلاشى فرضية البحث؛ لاستنادها حينئذٍ إلى الحدس؟!

العلامية: مفهومها، نشأتها وتطورها

السيمياء أو نظام العلامات ([ i])، علم يبحث في اللغات والإشارات والتعليمات ([ ii]).. الخ. وبالتعريف المذكور ظهرت ثلاثة اتجاهات. الأول ترأسه دوسوسير ( De Saussure) الذي اعتبر اللغة المنطوقة والمكتوبة جزءاً من السيمياء، قال ([ iii]): اللسان عبارة عن نسق من الدلالات التي تعبر عن المعاني، ومن ثم يمكن مقارنته بالكتابة وبالأحرف الأبجدية عند المصابين بالصمم والخرس، وكذلك مقارنته بالطقوس الرمزية وبأشكال الآداب وسلوكها، وبالإشارات المتعارفة عند الجنود وغير ذلك. ويرتئي دوسوسير جعل السيمياء –وهو العلم- برأيه- الذي يدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط المجتمعي- جزءاً من علم النفس العام… والاتجاه الثاني يمثله شارل بيرس ( Peirce) وهو رجل منطق وفلسفة، ارتأى نظرية عامة في العلامات دعاها ((السيميوتيك)) ( Semiotique) أو السيمياء معتبراً فيها: أن المنطق في معناه العام، هو مذهب علامات شبه ضروري كما حاولت أن أظهره .. وأضاف إنه لم يكن باستطاعتي يوماً ما دراسة أي شيء –رياضيات كان أم أخلاقاً .. أم تاريخ علوم .. - دون أن تكون الدراسة سيميائية ([ iv]).. وثمة اتجاه تزعمته فئة اعتبرت الفنون والآداب أشكال اتصال تعتمد على أنظمة العلامات، التي صدرت بدورها عن نظرية عامة للعلامة.

ومهما يكن من أمر الاتجاهات السابقة، فإن الأدق منها والأكثر تداولاً مذهب غيرو

( Guiraud)، وهو: ((الدراسة التي تتناول العلامات غير الألسنية)) ([ v]).

ترتب على افتراق علماء اللسانية في تحديد السيمياء، اختلاف حدود العلامات، فمنهم من جعلها ضيقةً مثل كلاوس ( G.Klaus) الذي قصر مجاله على الألفاظ، وآخرون توسعوا قليلاً منهم مورس ( ch. Morris) وسيبيوك ( Th. Sebeok) اللذان وضعا تحت لوائه العلامات التي يستعملها الحيوان. وتعدى آخرون الحدود المرسومة متوسعين في دلالة السيمياء إلى مجال اشتمل على الاتصال بين الخلايا الحية

( Bionique)، وما بين الآلات سيبرنتيكا

( cybernetique)، بالإضافة إلى الاتصال الحيواني ( Zoo semiotique)([vi])…

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير