تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مقالة رمضانية للعلامة محمد على فركوس]

ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[09 - 09 - 06, 11:13 م]ـ

اعتبار اختلاف المطالع في ثبوت الأهلة وآراء الفقهاء فيه

الصيام المفروض هو صيام رمضان، ودليل فرضيته: الكتاب والسنة والإجماع، وفضله عظيم، والحكمة منه ظاهرة. ولما كانت أيام شهر رمضان هي التي فرض الله صيامها، فلا بد من معرفة أول الشهر وآخره، وقد ضبط الشرع طريقتين لثبوت أول الشهر: برؤية هلاله عند طلوعه، وعند عدم رؤيته يثبت بإكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما، كما يثبت انتهاء شهر رمضان برؤية هلال شوال أو بإكمال عدة شهر رمضان عند عدم رؤية هلال شوال، إذ الشهر القمري يكون تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما قولا واحدا، وهذا من فضل الله تعالى على عباده وتيسيره عليهم حيث جعل العبادات التي تعتمد على المواقيت مرتبطة بالأمور المحسوسة والعلامات الظاهرة التي يستوي في العلم بها العالم والجاهل وأهل البوادي والحواضر.

واللافت للنظر أن الرؤية التي يثبت بها أول شهر رمضان وآخره لا تحصل لكل مسلم، ولهذا اتفق العلماء على أن الإخبار بالرؤية ممن رآه حجة شرعية تلزم المسلمين في ثبوت شهر رمضان ابتداء وانتهاء إذا توفرت الشروط المطلوبة في المخبر أو المخبرين غير أن اختلاف موضع طلوع الهلال يبقى محل نزاع بين الفقهاء واعتباره في ثبوت الشهر من عدمه.

وفي تحرير محل النزاع يخرج اعتبار اختلاف مطالع الشمس في مواقيت العبادات، وأن لكل بلد مواقيته في الصلوات والإفطار والسحور، فتوحيد مواقيتها في البلدان المختلفة غير متصوّر بالنظر إلى اختلاف الأقطار والبلدان على الكرة الأرضية (1).

كما يخرج من محل النزاع ما إذا ثبتت رؤية الهلال عند الإمام الأعظم وألزم الناس داخل ولايته بما ثبت من رؤية في بلده، سقط أثر اختلاف البلدان المتباعدة، ووجب الصوم على جميعهم حتى لو كان ثبوت رؤية الهلال في مطلع من مطالع تلك الأقطار دون سائرها، ما دام حكم الإمام الأعلى نافذا على جميع هذه الأقطار والبلدان، فهي في حقه كالبلد الواحد اتفاقا (2)، ذلك لأن مسألة اختلاف المطالع محل اجتهاد يولّد آراء ووجهات نظر مختلفة، وحكم الحاكم يرفع النزاع ويحسم الخلاف ويرجح به أحد النظرين أو الأنظار المتباينة، اعتقادا منه بأحقية رجحانه، الأمر الذي يوجب إنفاذ حكمه والامتثال له، والعمل بمقتضاه، ولا يجوز مخالفته فيما قطع فيه الخلاف شرعا طاعة لولي أمر المسلمين، وتوحيدا لكلمتهم.

كذلك لا خلاف بين الفقهاء في تحقق اختلاف مطالع القمر (3)، وإنما النزاع في اعتبار اختلاف مطالعه في ثبوت الأهلة وما يتعلق بها من أحكام كثبوت بدء الصوم في رمضان، والفطر في شوال، والحج، والإيلاء وعدة المتوفى عنها زوجها وغيرها من الأحكام الشرعية المتعلقة بالأجل والزمن فقد ربطها الله تعالى بالأشهر القمرية في قوله تعالى: ?يَسْأّلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ? [البقرة: 189]. هذا فيما إذا كانت الأقطار والبلدان خارجة عن حكم الإمام الأعلى أو وجد من المسلمين في بلاد غير مسلمة، فهل رؤية البعض تعم في حق جميع البلدان في ثبوت الأحكام ولا عبرة باختلاف المطالع، بل يجب العمل بالأسبق رؤية، فلو رُئي في المشرق ليلة الجمعة، وفي المغرب ليلة السبت، وجب على أهل المغرب العمل بما رآه أهل المشرق، أم يستقل كل بلد برؤيته ويكون الاعتبار باختلاف المطالع؟ أي يلزم على كل بلد العمل بمطلعه ولا يلزمه مطلع غيره، فإن لم يروا الهلال أكملوا شهر شعبان ثلاثين.

فالفقهاء في هذه المسألة اختلفوا على مذهبين رئيسين:

فالأول: يذهب إلى القول بتوحيد الرؤية ولا يعتبر اختلاف مطالع القمر في ثبوت الأهلة، وبهذا قال الجمهور، وهو المعتمد عند الحنفية، ونسبه ابن عبد البر إلى الإمام مالك فيما رواه عنه ابن القاسم والمصريون، كما عزاه إلى الليث والشافعي والكوفيين وأحمد، وبه قال ابن تيمية والشوكاني وغيرهم من أهل التحقيق، ويترتب على هذا القول وجوب القضاء إذا بدأ أهل بلد صومهم اليوم الذي يلي رؤية الهلال في بلد آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير