هذه القاعدة هي مضمون القاعدة الخامسة في التدمرية يقول شيخ الإسلام: إنا نعلم ما أخبرنا به من وجه دون وجه, يعني الأخبار التي أخبرنا الله بها من الغيوب عن نفسه وعن اليوم الآخر, فهذه نعلمها من وجه دون وجه,
[لا يلزم من العلم بمعنى الشيء إجمالا الإحاطة به وبيان ذلك بالمثال]
والوجهان كما ذكرهما الشيخ محمد رحمه الله نعلمهما من جهة المعنى, فنعلم معانيها ونفهمها ونتدبرها ونعرف ربنا بها ونعرف مراده من هذه الأخبار, ونعرف مراده من الإخبار عن اليوم الآخر, ولكن لا نعلمها من جهة حقائقها وكيفياتها, فلا يلزم من العلم بمعنى الشيء إجمالا الإحاطة به,
[المثال الأول]
وهذا كثير, ولعله يكون حتى في المحسوسات فالشمس نعلمها ونعرفها ويراها الناس, لكن هل يحيط الناس بها؟ وهل يحيط الناس بحقيقتها وما هي عليه كما خلقها الله؟ قد يعرفون أشياء لكن هل يعرفون حقيقة الشمس على ما هي عليه كما خلقها الله سبحانه وتعالى؟
[مثال ثان ذكره شيخ الإسلام في التدمرية]
والشيخ رحمه الله في التدمرية ضرب مثلا للعجز عن معرفة الكيفية بالروح, فهذه الروح التي في الناس وبها حياتهم ولها شأن وصفات وهي معروفة, ومع ذلك لا يدرك الناس كنهها أبدا, فيقول الشيخ هناك العقول عاجزة عن تكييف الروح, فإذا كانت العقول عاجزة عن تكييف الروح فهي عن تكييف ذات الرب وصفاته أعجز.
[الأدلة على أن الأخبار التي أخبرنا الله بها من الغيوب عن نفسه واليوم الآخر معلومة المعنى]
وذكر شيخ الإسلام في القاعدة الخامسة الدليل على الوجه الأول, وهو نفس ما ذكره الشيخ محمد فذكر آيات التدبر:
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا)
(أفلم يدبروا القول)
(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)
ثم قال: فأمر الله بتدبر القرآن كله فعلم أن القرآن كله محل للتدبر, إذن فالقرآن كله يمكن فهمه, وأعظم ذلك وأوله وأولاه نصوص الصفات, فهي أشرف كلام الله, وأشرف آي القرآن, لأن أشرف العلوم الشرعية هي العلم بالله بأسمائه وصفاته,
[الأدلة على أنها غير معلومة لنا باعتبار الكيفية والحقيقة]
وأما الوجه الثاني الذي لا نعلمه فاستدل له بقوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله) والتأويل في هذه الآية ولاسيما على قرآءة الجمهور هو الحقيقة التي يؤول إليها الشيء, فلا يعلم تأويل ما تشابه من القرآن, يعني لا يعلم حقيقته وما يؤول إليه إلا الله, فلا يعلم كنه ذات الرب وصفاته ولا كنه ما أخبر به عن اليوم الآخر إلا الله, حتى إنه سبحانه في الحديث القدسي قال (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت)
[المقصود من هذه القاعدة]
وفي آيات الأمر بالتدبر وذم المعرضين عن تدبر القرآن الرد على أهل التفويض وهذا هو المقصود من تقرير هذه القاعدة,
[من هم أهل التفويض]
وأهل التفويض هم الذين يقولون إن نصوص الصفات لا يعلم أحد معناها ولا الرسول صلى الله عليه وسلم, فلا يعلم معناها إلا الله ولهذا سماهم الشيخ في الحموية أهل التجهيل,
[أهل التفويض هم أهل التجهيل]
لأنهم بزعمهم هذا يجهلون الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في معاني كلام الله, بل على قولهم إن الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بما لا يعلم معناه من حديثه, فأحاديث الصفات أيضا لا يعلم معناها إلا الله, فقولهم يتضمن إن الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بما لا يعلم ويعقل معناه, وكفى بهذا فسادا, وكفى بهذا طعنا في كلام الله, وفي حكمة الله وفي كلام الرسول وقدره صلى الله عليه وسلم,
سبحان الله ما أقبح هذا الكلام وهذا المذهب,
[بعض الناس يظن أن مذهب أهل التفويض زين]
مع أن كلمة التفويض يستروح لها بعض الناس ويظنون أن مذهب التفويض زين, فيه تفويض إلى الله,
لا,
هذا يستلزم أمور باطلة, يستلزم:
أن القرآن ليس هدى ولا شفاء ولا بيان ولا فيه تعريف بالله بما يجب له وما يجوزعليه وما يمتنع عليه,
[المعطلة بين التفويض والتأويل]
فأهل التفويض معطلة نفاة لصفات الله,
فالمعطلة لاسيما من الأشاعرة ونحوهم من الماتردية:
1/ منهم من ينحو الى التفويض,
2/ ومنهم من ينحو الى التأويل,
أما الجهمية والمعتزلة الغالب عليهم والأصل فيهم هو التأويل.
ولهذا يقول الشيخ رحمه الله في التدمرية ينعت هؤلاء الذين يفرقون بين الصفات يقول: الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض وإما التأويل, يعني بعضهم يقول فيها التفويض وبعضهم يوجب فيها التأويل والكل ينفي,
[مثال يوضح ما سبق]
فمثلا من الصفات التي ينفيها الأشاعرة الإستواء على العرش, فكلهم يتفقون على نفي حقيقة الإستواء على العرش والعلو والإرتفاع على العرش, فينفون العلو,
لكن ماذا يعتذرون عن الآية؟
أهل التأويل يقولون استوى بمعنى استولى هذا نموذج من تأويلاتهم,
وأهل التفويض يقولون الله أعلم بمراده لا ندري ما معنى الرحمن على العرش استوى,
فاتفقوا على نفي الإستواء على العرش, واختلفوا في موقفهم من الآية
وقل مثل ذلك في سائر نصوص الصفات التي ينفونها, مثل النزول وكذلك الغضب والرضا وغير ذلك,
[مثال آخر]
فمثلا في آيات المحبة والرضا والغضب والسخط,
أهل التأويل منهم من يفسر المحبة بالإرادة أو ببعض المخلوقات,
وأهل التفويض يقولون الله أعلم بمراده, لا ندري ما معنى يحبهم, ولا ندري ما معنى يحب الذين يقاتلون, ولا ندري ما معنى غضب الله عليهم,
فكما قال شيخ الإسلام في آخر الكلام الذي نقله الشيخ محمد: هؤلاء جعلوا أشرف ما في القرآن وهي نصوص الصفات غير معلومة ولا ينتفع بها, ويلزم على قول هؤلاء إن الكتاب والسنة ليسا طريقا لمعرفة الله وإنما يعرف الله بالعقول, وعلى هذا فكل صاحب فكر يدعي أن ما أدركه بعقله هو الواقع وهو الحق, ولهذا يقول شيخ الإسلام في الحموية إنه يلزم على قول أهل التفويض وأهل التأويل أن ترك الناس بلا رسالة أهدى لهم, لأن هذه النصوص على زعمهم ما دلت على الحق في باب معرفة الله, وما دلت على الحق المطابق للواقع, فأهل التأويل والتفويض كلهم يتفقون على أن هذه النصوص لا تدل على إثبات صفات قائمة بالرب سبحانه, لا صفات ذاتية ولا فعلية تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا والله أعلم.
¥