3 - بقي السبب الثالث الذي ذكره ياقوت وابن الأثير وهو: تأليفه كتابه " اختلاف الفقهاء " وفيه خلاف الأئمة الثلاثة دون ذكر خلاف الإمام أحمد , زاد ياقوت: وتأويله حديث الجلوس على العرش.
قال ابن الأثير (فقيل له – أي ابن جرير – في ذلك فقال: لم يكن فقيهاً وإنما كان محدثاً , فاشتد ذلك على الحنابلة , وكانوا لا يُحْصَوْن كَثرةً ببغداد , فشعبوا عليه , وقالوا ما أرادوا .. ).
أقول: لنفرض أن هذا هو السبب , فإن اعتذار ابن جرير – رحمه الله تعالى – في عدم ذكر الإمام أحمد في كتابه اختلاف الفقهاء , واضح أنه لا يريد نفي كون الإمام أحمد فقيهاً وإنما يريد نفي كونه فقهياً متبوعاً , فابن جرير ولد سنة (224 هـ) في حياة الإمام أحمد المتوفى سنة (241 هـ) ثم توفي ابن جرير سنة (310 هـ) ومذهب الإمام أحمد لم يتكون إقراء فروعه في هذه الفترة , فكان في طور رواية تلامذته له , وجمع الخلال له , المتوفى سنة (311 هـ) أي بعد ابن جرير بعام واحد , وأول مختصر في فقهه كان من تأليفه الخرقي المتوفى سنة (334) , فصار بدءُ إقرائه في الكتاتيب كما في تلقن القاضي أبي يعلى له , وعلى يد أبي يعلى المتوفى سنة 458 هـ) الذي تولى القضاء و شيخه الحسن بن حامد المتفى سنة (403 هـ) بدأ ظهور المذهب , وتكونه , وتكاثر أتباعه , والاشتغال في تهذيبه , وتدوين المتون والأصول , وكل هذا بعد وفاة ابن جرير بزمن كما هو ظاهر , فرحم الله ابن جرير ما أَبَرَّه حينما قال (أما أحمد فلا يعد خلافه , فقالوا له , فقد ذكره العلماء في الاختلاف , فقال: ما رأيته رُوي عنه , ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم) انتهى.
أي يعول عليهم في التمذهب الفروعي كما جرى عليه أتباع الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , لتقدمهم عليه في الرتبة الزمانية , ثم صار التمذهب بمذهب أحمد في مرحلة زمانية متأخرة عن وفاة ابن جرير على بينته.
وهذا من الوضوح بمكان مكين لمن تأمله , لكن ما فهم الأصحاب كلامه ومراده فوقع ما وقع , ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولا أرى هذا التخريج في الاعتذار عن ابن جرير إلا من وضع الأمور في نصابها.
وله نظائر تخررج من مآزق في التحطط عن أهل العلم والإيمان.
منها اعتذر به ابن كثير – رحمه الله تعالى – عما نسب إلى ابن جرير من أنه يقول بقول الرافضة من أن فضر القدمين في الوضوء هو (المسح).
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – (والذي يعول عليه كلامه في التفسير , أنه يوجب غسل القدمين , ويوجب مع الغسل دلكهما , ولكنه عبر عن الدلك بالمسح , فلم يفهم كثير من الناس مراده , ومن فهم مراده نقلوا عنه أنه يوجب الغسل والمسح , وهو: الدلك , والله أغلم) انتهى.
وذكرت لهذا نظائر في " التعالم " والله أعلم.
ويزاد هنا نظير قول الطبري (ولا رأيت له – أي احمد – أصحاباً يعول عليهم) قول الإمام أحمد لما سُئل عن أبي حنيفة , وعمرو بن عبيد قال: أبو حنيفة أشد على المسلمين من عمرو بن عبيد , لأن له أصحاباًَ) , كما في " تاريخ بغداد " 13/ 114 , فأن أحمد لم يرد أن عمرو بن عبيد لا أصحاب له البتة , وإنما أراد أن ليس له أصحاب في مثل غلوه في الاعتزال والقدر (1).
هكذا تنزل كلمات الأئمة منازلها , فهي بحاجة إلى نظر سديد , وتأمل دقيق , وتخلص من العصبية والهوى , والله المستعان.
ثم يبدو بعدُ أمران لابد من التنبيه عليهما:
الأول: أن ابن جرير يلتقي مع الإمام أحمد وأصحابه في صفاء الاعتقاد , والجري فيه على طريقة السلف بلا تأويل , ولا تفويض , ولا تشبيه , مع النزوع إلى فقه الدليل , وكان – رحمه الله تعالى – رأساً في العلم , حتى انتسب له بعض أهل العلم مثل: المعافى بن زكريا النهرواني الجريري (ت سنة 390 هـ) نسبة إلى ابن جرير في التمذهب , ولهذا ترى في تراجم بعضهم: وكان جريري المذهب , فهو – رحمه الله – رأس منافس في الترأس والاتباع , فلعل ما هنا على ما هنالك , وإن كان – رحمه الله تعالى – أَجَلَّ وَأَوْرَعَ وَأَتْقَى لِرَبِّه مِن التَّأَثُرِ بِذَلك.
... الخ
من كتاب المدخل المفصل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل 1/ 361 - 368
ولا أقول إلا رحم الله أئمة أهل السنة , وحفظ الله من بقي منهم
ــــ
انظر: التنكيل للمعلمي 1/ 169
ـ[ابوالعباس الترهونى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 04:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم
وحفظ الله الشيخ بكر
ـ[أبو العباس السكندري]ــــــــ[30 - 09 - 06, 06:26 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم
وحفظ الله الشيخ بكر
ـ[أبو أبي]ــــــــ[07 - 11 - 06, 06:44 ص]ـ
اللهم زد علمائنا و زدنا من فضلك
ـ[عبد الرحمن خالد]ــــــــ[08 - 11 - 06, 01:38 ص]ـ
القصة لا تصح وهذه من القصص التي لابد ان توضع على قواعد النقد لان فيها اتهام لكلا الطرفين, وما كان فيه اتهام لمسلم لابد ان يثبت بدليل صحيح, واما القصص التي ليس فيها شي من هذا فلا يشترط فيها التثبت وبهذا التفريق تزول كثير من الايرادات والاشكالات وقد ضعفها مشهور حسن
¥