تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(2) وقد قال السخاوي في فتح المغيث (2/ 111) في أثناء حديثه عن (الحافظ) و (الضابط)، قال: (مجرد الوصف بكل منهما غير كاف في التوثيق، بل بين العدل وبينهما عموم وخصوص من وجه، لأنه يوجد بدونهما، ويوجدان بدونه، وتوجد الثلاثة). ثم مثل لذلك بالشاذكوني.

انتهى النقل من كلام الشيخ طارق عوض الله.

ويعقبه تعقيب حول هذه المسألة إن شاء الله.

ـ[ابن معين]ــــــــ[05 - 01 - 03, 11:26 ص]ـ

............. تعقيب على كلام الشيخ طارق عوض الله:

يفهم من كلام الشيخ طارق عوض الله السابق أن وصف الراوي بأنه (حافظ) لا يلزم منه أن يكون ضابطاً، بدلالة وصفهم لبعض الرواة بأنهم حفاظ وهم ضعفاء، ولأنهم ربما وصفوا الراوي بـ (الحفظ) مع اتهامهم له في عدالته وصدقه.

والذي يظهر لي هو أن الأصل في وصف المحدثين للراوي بأنه (حافظ) هو أن يكون ضابطاً، إلا أنهم قد يقصدون أحياناً بقولهم (حافظ) كثرة محفوظاته (وليس مسموعاته) وإن لم يكن ضابطاً متقناً لما حفظه، ويبين مرادهم هذا من خلال القرائن.

وثمرة هذا التفريق هو أننا لو لم نجد في الراوي إلا وصفهم له بالحفظ!

فإننا نحكم عليه بالأصل وهو تمام ضبطه وإتقانه لمحفوظه، بخلاف ما لو قلنا بأن قولهم (حافظ) لا تستلزم الضبط فإننا نحتاج إلى قرينة تدل على أن المراد بقولهم (حافظ) أنها بمعنى ضابط.

أما الأدلة على أن الأصل في وصف الراوي بأنه (حافظ) هو تمام الضبط فأدلة كثيرة، أذكر أهمها وأوضحها:

الأول: أن قولهم (حافظ) يطلق من حيث اللغة على من كان متقناً لمحفوظه.

قال الأزهري _كما في لسان العرب (7/ 441) _: (رجل حافِظ، وقوم حُفّاظٌ، وهم الذين رُزِقوا حِفْظَ ما سَمِعوا، وقلما يَنْسَوْنَ شيئاً يَعُونَه).

الثاني: أن جميع المحدثين _ ممن وقفت لكلام لهم _ يعدون لفظة (حافظ) أنها بمعنى (تام الضبط).

وقد أشار بعضهم _ وهو ابن الصلاح ومن تبعه _ إلى عدم الاكتفاء بها في ثوثيق الراوي لعدم دلالة هذه اللفظة على العدالة، لا لعدم دلالتها على الضبط عندهم.

قال ابن الصلاح _ في معرض ذكره لألفاظ التوثيق للمرتبة الأولى _: (وكذا إذا قيل في العدل: إنه حافظ أو ضابط).

وقد صرح السخاوي _ كما نقله الشيخ طارق عوض الله _ بعدم الاكتفاء بقولهم حافظ في توثيق الراوي لعدم دلالتها على إثبات العدالة فقط، لا لعدم دلالتها على تمام الضبط كما سبق!

على أن الصحيح هو أن ثناء الأئمة على راو بقوة حفظه وتمام ضبطه كاف في توثيقه، لأنه يبعد أن يشتهر راو بكونه حافظاً ويثني عليه الأئمة بذلك، ثم هو يكون مطعوناً في عدالته ولا يُذكر ذلك عنه! ولا يُنقل!!

ثم إن اشتراط العدالة في الراوي إنما هو للاطمئنان إلى أن الراوي فيه من التقوى والورع ما يمنعه من تعمد الكذب في رواياته.

فإذا كانت أحاديثه كلها مستقيمة وليس فيها حديث منكر = فإنه يكون مقبول الرواية، ولا حاجة حينئذ لرد حديثه لعدم ثبوت العدالة؟!

لأننا أمنا من وقوع الكذب (الذي كنا نخشاه حين اشترطنا العدالة).

والكلام على مسألة الاكتفاء بثبوت ضبط الراوي للحديث في توثيقه (إذا لم ينقل عنه ما يخرم العدالة) لها أدلة ليس هذا محلها.

والقصد مما سبق هو عدم اختلاف الأئمة في فهمهم للفظة (حافظ) أنها بمعنى (تام الضبط) وأن الأصل فيها هو ما ذكرناه.

وقد يذكر بعض المحدثين لفظة (حافظ) مرادفة لكلمة (ثقة).

ففي مقدمة ميزان الاعتدال للذهبي، قال:

(أعلى الرواة المقبولين: ثقة حجة، و ثبت حافظ

ثم ثقة، ثم ... ).

وفي شرح الألفية للعراقي:

(مراتب التعديل على أربع أو خمس طبقات:

فالمرتبة الأولى العليا من ألفاظ التعديل _ ولم يذكرها ابن أبي حاتم ولا ابن الصلاح _ هي إذا كرر لفظ التوثيق إما مع تباين اللفظين كقولهم: ثبت حجة أو ثبت حافظ أو ثقة ثبت أو ثقة متقن أو نحو ذلك، وإما مع إعادة اللفظ الأول كقولهم ثقة ثقة ونحوها).

وقال ابن حجر _ كما في نخبة الفكر _: (ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة أو ثقة حافظ).

بل عد بعضهم لفظة (حافظ) أعلى من كلمة (ثقة)!

قال الذهبي في الموقظة: (ويمتاز الثقة بالضبط والإتقان، فإن انضاف إلى ذلك المعرفة والإكثار فهو حافظ).

الدليل الثالث: هو استعمال الأئمة المتقدمين للفظة (حافظ) بمعنى (تام الضبط)، والأمثلة من كلامهم كثير جداً، ومن ذلك:

قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن أبى معمر فقال: (كان حافظاً ثقة).

قال ابن أبي حاتم: (يعني أنه كان متقناً).

قال يحيى بن سعيد القطان: (قتادة حافظ، كان إذا سمع الشيء علقه).

وقاله أيضاً عن الزهري.

وقال أبوزرعة عن عيسى بن يونس _ وهو من الثقات _: (حافظ).

فخلاصة ما سبق هو أن المحدثين إذا أطلقوا على الراوي أنه (حافظ) فهم يعنون أنه تام الضبط، وقد يريدون معنى آخر لا يستلزم ضبط الراوي لمحفوظاته، وهذا يعلم من خلال القرائن وهي كثيرة.

وذلك كأن يصف الناقد راوياً بأنه (حافظ) ثم هو يضعفه كما يقع لبعض الرواة الذين اشتهروا بكثرة مروياتهم مع ضعفهم، فيتضح في مثل هؤلاء أن مراد الناقد بوصفه للراوي أنه حافظ أي كثير المحفوظات دون إتقان لها، والله أعلم.

ومثله أن يقول الناقد عن راو أنه (ثقة) أو (صدوق) ثم هو يريد إثبات العدالة له لا أكثر، ويُعرف ذلك بقرائن من كلامهم _ كما نبه هو لذلك _.

فهل نقول إذا وجدنا مثل ذلك أن قول المحدث عن راو (ثقة) أو (صدوق) أنه لا يفيد توثيق الراوي لأننا وجدناه يطلقها أحياناً ويريد بها إثبات العدالة فقط؟!!

قال السخاوي _ كما في فتح المغيث (2/ 110) _: (والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك).

والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير