تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قيل إن ما تستغرقه أواني الذهب والفضة في هذا العصر، وكذلك التحلي بهما من المقادير الذهبية والفضية لم يعد اليوم مؤثراً على النقود؛ لكثرة الذهب والفضة؛ فلم تعد العلة مؤثرة.

وإن قيل إن الذهب والفضة قد اختفى التعامل بهما في عصرنا الحاضر كنقد بل إن بعض الدول في العصر الحاضر تمنع التعامل بهما كنقد، وقد حلت محلهما الأوراق النقدية، فأصبحت هي النقد الوحيد الذي يتعامل به الناس اليوم؛ وبناء عليه فهي النقود وحدها، أما الذهب والفضة فليسا وسيطا للتبادل، فتخلفت عنهما صفة النقدية، وإذا تخلفت العلة زال تأثيرها وإذا زال تأثيرها، زال حكم المعلول وهو حرمة استعمال أواني الذهب والفضة.

فالجواب على هذا هو أن دعوى اختفاء التعامل بهما غير مسلم؛ لأنه وإن لم يكن التداول بعينهما، لكنهما الداعمان للعملة الورقية، ومن أهم أسباب اعتبار قوة اقتصاد أي دولة من الدول حجم احتياطها من هذين المعدنين النفيسين. ومن جهة ثانية فإن حكم استعمال أواني الذهب والفضة منصوص علي حرمته من الرسول e ، والعلة ليست منصوصة، وإنما هي مستنبطة، وهي علة احتمالية، و ليست يقينية، ولذا لا يمكن أن يتغير حكم الأصل المنصوص عليه، لتخلف علة مستنبطة؛ و لا يمكن إلغاء العلة المذكورة؛ لأن من شروط العلة ألا تعود على حكم الأصل بالإبطال، والواقع كذلك. ولذا فإن التعامل بالنقود الورقية، أو ظهور عملات أخرى في الوقت الحاضر، أو في العصور القادمة لا يلغي صفة النقدية عن الذهب والفضة، ولا يصرف عنهما علة الربا وهي الثمنية. وعلى فرض تخلف علة تضييق النقدين، فإن علة السرف باقية. فيبقى الحكم بالعلة الأخرى ([166]).

h الفصل الرابع: اتخاذ أواني الذهب والفضة

الاتِّخاذ ُ: افتعالٌ من الأخذ، يقال:ائتخذوا في الحرب إذا أخذ بعضهم بعضا، ثم لينوا الهمزة وأدغموها فقالوا اتخذوا، ثم لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء أصلية فبنوا منه فَعِلَ يَفْعَلُ، قالوا تخذ يتخذ ([167]). وهو في القرآن الكريم على ثلاثة عشر وجها ([168]).

والاتخاذ يشمل الاقتناء وهو:مصدر اقتنى الشيء يقتنيه، إذا اتخذه لنفسه، لا للبيع أو للتجارة. أي المال المدخر. جاء في المصباح وغيره (قنوت الشيء أقنوه قنوا من باب قتل، و قنوة:بالكسر:جمعته، واقتنيته:اتخذته لنفسي قنية. لا للتجارة) ([169]). قال تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) ([170]). أي أعطى ما فيه الغنى وما فيه القنية، أي المال المدخر. وجمع القِنْيَةِ قِنْياتٌ، وقنيت، واقتنيته. ومنه. قنيت حيائي عفة وتكرما ([171]).

والمال المقتنى يستغل إذا كان من شأنه ذلك؛ مثل أن يستغل في الدر، أو النسل، أو الركوب. قنا العنز قَنْوا ([172]). وأما اقتناء أواني الذهب والفضة فالمراد به من غيراستعمال ([173]).

لا خلاف بين العلماء على جواز اقتناء الذهب والفضة إذا كانت على غير صورة الأواني. أما الأواني فقد اختلف الفقهاء في حكم اتخاذها من الذهب والفضة، من غير استعمالها، على قولين.

القول الأول:يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة، وهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة ([174]). واحتجوا لما ذهبوا إليه بأن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ، فيبقى الاتخاذ على مقتضى الأصل في الإباحة؛ ولأن التحريم لم يكن لذات الآنية، بل للاستعمال ([175]). وقال القاضي أبو الوليد الباجي من المالكية لو لم يجز اتخاذها لوجب فسخ بيعها، وقد أجازها -أي الإمام مالك- في غير مسألة من المدونة. قال أبو بكر بن سابق هذا غير صحيح؛ لأن ملكها يجوز إجماعا، بخلاف اتخاذها. قال:وإنما يتصور فائدة الخلاف بأنا لا نجيز الاستئجار علي عملها، ولا نوجب الضمان على من أفسدها إذا لم يتلف من عينها شيئا، والمخالف يجيز الاستئجار ويوجب الضمان ([176]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير