لكن قيده الحنفية وبعض الشافعية بما إذا لم يتجمع منه شيء إذا عرض على النار؛ لقلة المموه فكأنه معدوم ([192]). وأما ما يمكن تخليصه واجتماع شيء منه فعند أبي حنيفة ورواية عند محمد جواز استعماله. ويكره عند أبي يوسف ومحمد في الأشهر عنه ([193]). فالاختلاف بين علماء الحنفية فيما يخلص منه شيء بالعرض على النار، أما المموه الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس به عندهم بالإجماع. جاء في بدائع الصنائع (وأما الأواني المموهة بماء الذهب والفضة الذي لا يخلص منه شيء فلا بأس بالانتفاع بها في الأكل والشرب وغير ذلك بالإجماع…لأن التمويه ليس بشيء ألا يرى أنه لا يخلص) ([194]). يعني أنه إذا صهر بعرضه على النار لا يتجمع منه شيء.
وعند الشافعية وجهان:الأصح لا يحرم ([195]). قال النووي: (لو اتخذ إناء من نحاس و موهه بذهب أو فضة قال إمام الحرمين و الغزالي في البسيط و الرافعي وغيرهم إن كان يتجمع منه شيء بالنار حرم استعماله وإلا فوجهان بناء على المعنيين، والأصح لا يحرم قاله في الوسيط والوجيز) ([196]).
وذكر المرداوي القول الثاني عند الحنابلة وهو الذي عرضناه في القول الأول من هذا البحث بعد أن ذكر حكم المصمت. فقال: وقيل:لا ([197]). أي ليس حكمها كالمصمت.
وقيل: إن بقي لون الذهب أو الفضة ([198]). يعني إن بقي لونهما إذا عرض أي منهما على النار فهو حرام، وإن لم يبق فهو حلال.
وقيل واجتمع منه شيء إذا حُكَّ حرم. وإلا فلا ([199]). يعني إذا عرض على النار وحك فإن اجتمع منه جسم له قيمة حرم، وإن كان يتفتت ولا يجتمع، أو أنه إذا اجتمع ليس له قيمة ذات بال فلا يحرم.
القول الثاني: المذهب عند الحنابلة. والقول الثاني عند المالكية أنه يحرم استعمال الأواني المموهة بالذهب أو الفضة ([200]). وقد كره الشرب في الإناء المفضض من الصحابة ابن عمر وعائشة ([201]).
فعلى المذهب عند الحنابلة يحرم المطلي، والمطعم ([202])، والمكفت، والمنقوش، بذهب أو فضة كالمموه. إلا أن يستحيل لونه، ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار ([203]).
قال المرداوي حكم المموه والمطعم ونحوه بأحدهما:كالمُصْمَتُ على الصحيح من المذهب ([204]).
الأدلة
أدلة الفريق الأول: استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
1ـ أن المموه ليس إناء ذهب ولا فضة، وقال بعضهم نظرا لباطنه والطلي تبع ([205])، وقالوا: لأنه لا يتجمع منه شيء إذا صهر على النار ([206]). وقالوا ورد النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة، وصدقه على المفضض والمضبب ممنوع ([207]).
ويمكن أن يستدل لهم بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة وهو:
2ـ حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عمران أبي العوام القطان عن قتادة أن عمران بن حصين وأنس بن مالك كانا يشربان في الإناء المفضض* ([208]). و هو عندي حديث حسن؛ لأن رواته كلهم ثقات ([209])، إلا عمران أبي العوام فإنه صدوق يهم ([210]). وقد تعضد بحديث أنس الوارد في البخاري وغيره، وسيأتي قريبا في مناقشة الأدلة.
3ـ على فرض أن المجيزين أو بعضهم استدل بما أخرجه الطبراني من حديث أم عطية: (أن النبي صلى الله e نهى عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، ثم رخص في تفضيض الأقداح) ([211]). هذا الحديث في سنده من لم يعرف ([212]).
4ـ أن هذا القدر من الذهب أو الفضة الذي على الإناء تابع له والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة والجبة بالحرير ([213]).
5ـ وُاستدل بزوال علة التحريم؛ وهي الفخر و الخيلاء ([214]).
أدلة الفريق الثاني:
1ـ استدل الحنابلة على حرمة استعمال واتخاذ المموه ونحوه بما روى ابن عمر أن رسول الله e قال (من شرب من إناء ذهب أو فضة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ([215]). الشاهد، أو فيه شيء من ذلك.
2ـ ويمكن أن يستدل لهم بماروى ابن أبي شيبة والبيهقي بسنديهما عن ابن عمر أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة ([216]). صححه النووي ([217]). وقال ابن حجر أخرجه البيهقي بسند على شرط الصحيح ([218]).
¥