قلت-أي الألباني-:وعمر هذا وإن احتج به مسلم فقد ضعفه الإمام احمد وابن معين والنسائي وغيرهم ولذلك أورده الذهبي في الميزان وذكره في الضعفاء، وقال: ضعفه ابن معين لنكارة حديثه، وقال الحافظ في التقريب: ضعيف.
قلت-أي الألباني-:وقد صح النهي عن الشرب قائما في غير ما حديث، عن غير واحد من الصحابة ومنهم أبو هريرة، لكن بغير هذا اللفظ، وفيه الأمر بالاستقاء، ليس فيه ذكر النسيان فهذا هو المستنكر من الحديث)).اهـ. كلام الألباني.
هذا الكلام يحتوي على أخطاء وإليك بيانها:
أولاً: قوله: ((ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم))،قد مر بك أن هذا الكلام مخالف للواقع وتقويل لهؤلاء الأئمة ما لم يقولوه وافتئات عليهم. وعلى الألباني أن يراعي المصطلحات التي وضعها أهل الحديث -جزاهم الله خيراً-لمراتب الرواة, وإلا ما كان لهذه المراتب فائدة, ولما كان لتقسيم الرواة تبعا لهذه المراتب فائدة.
فلا نقول على من قال عنه النسائي أو غيره: ((ليس بالقوي)):ضعيف, لأن ضعيفاً أقل من ليس بالقوي بمراتب, ولا نقول على من قالوا فيه: ((صويلح)) ثقة وهكذا. وقد أشار الإمام مسلم إلى هذا المعنى الدقيق فقال في مقدمة صحيحة بعد تقسيم الرواة إلى ثلات مراتب: ((و إنما مثلنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلهم سمة يصدر فهمها من غبي عليه طريق أهل العلم في ترتيب أهله فيه , فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته , ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته ,ويعطي كل ذي حق حقه)). اهـ. المقدمة [1/ 54بشرح النووي].
أما قوله: ((وغيرهم)) ,فمن غيرهم من الأئمة المتقدمين المعتمد قولهم الذين ضعفوا عمر بن حمزة؟ ولا شك أن قوله: ((غيرهم)) مناف للأمانة العلمية , وإيهام للقاصرين أن عمر بن حمزة قد ضعفه عدد كبير من الأئمة , وهو مما لا يجوز صدوره من مدعي الاشتغال بالحديث الشريف.
ثانياً: قوله: ((ولذلك أورده الذهبي في الميزان))،هذا كلام فيه إيهام أن الرواة الذين يوردهم في الميزان ضعفاء،وقد يغتر بقوله هذا بعض الناس،ولذا يحسن التنبيه عليه.
فمن المعروف أن أصحاب كتب الرجال خاصة ((الكامل)) لابن عدي يذكرون في كتبهم كل من تُكلم فيه ولو كان هذا الكلام مردوداً، وقصدهم بذلك استيعاب من تكلم فيهم ولو بأدنى إشارة. قال ابن عدي في ترجمة أبي العباس بن عقدة [الكامل 1/ 209]: ((ولم أجد أبداً من ذكره لأني شرطت في أول كتابي هذا أن أذكر كل من تكلم فيه متكلم ولا أبالي،ولو لا ذاك لم أذكره للذي فيه من الفضل والمعرفة)).وانظر ترجمة ابن عقدة في اللسان [1/ 263].
ثم جاء الحافظ الذهبي ومشى على طريقته فقال في مقدمة الميزان [1/ 2]: ((وفيه من تكلم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين، وبأقل تجريح، فلولا أن ابن عدي أو غيره من مؤلفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ... )) إلخ.
وعليه فإذا رأيت أخي الكريم عمر بن حمزة مترجماً في ضعفاء العقيلي [3/ 154] فلا يهولنك ذلك وبالله التوفيق.
ثالثاً:المنكر له معان تقدم ذكر بعضها، واللائق هنا أن المنكر يحتمل أحد معنيين:
تفرد من لا يقبل أو يحتمل تفرده، وهو قول بعضهم.
رواية الضعيف مع المخالفة، وهذا هو المعتمد.
من المعروف عند المحدثين أن الحديث إذا تفرد به الثقة كان تفرده صحيحاً، وإن خف ضبطه كان تفرده حسناً. وعمر بن حمزة بعد احتجاج مسلم به وتعليق البخاري له بصيغة الجزم، ومقارنته بثقة عند ابن معين، وتوثيق ابن حبان له، وقول الحاكم:أحاديثه مستقيمة، وتحسين الحافظ لحديثه لذاته، وقرنه بصدوق يخطئ،وقول الذهبي:صدوق يغرب.بعد كل ما سبق يمكن أن نضع عمر بن حمزة في مرتبة من يحسن حديثه إذا انفرد على الأقل،أما إذا كان الحديث في مسلم فالحديث صحيح، وهذا الذي ينبغي أن يصار إليه لا لغيره والله أعلم.
هذا إذا فسرنا النكارة بالمعنى الأول،أما على المعنى الثاني المعتمد فيشترط فيها شرطان: الأول ضعف الراوي، والثاني المخالفة. أما الأول فمنتف تماماً هنا وغير وارد، أما الثاني:فأي مخالفة هنا؟.
¥