القول الأخر: أن من صلى العيد في يوم الجمعة فقد أجزأت عنه صلاة الجمعة اتفاقاً مع أصحاب القول الأول إلا أنهم أسقطوا عن من لم يصل الجمعة صلاة الظهر أيضاً.
واستدلوا لذلك بما يلي:
1 – قوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عباس: (اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله) أخرجه ابن ماجة بسند صحيح، والشاهد قوله (أجزأه من الجمعة) وقالوا بأن الإجزاء كالأداء وبالتالي لا صلاة ظهر عليه لوقوع اجزاء المبدل.
2 – (قال عطاء: اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر). أخرجه أبو داود بسند صحيح، والشاهد أن ابن الزبير لم يزد عليهما حتى صلى العصر وظاهره أنه لم يصل الظهر اكتفاءً بالركعتين اللتين صلاهما بالناس بكرة.
3 – (قال عطاء: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال أصاب السنة) أخرجه أبو داود بسند صحيح، والشاهد أنه لم يخرج لهم وقت الجمعة وأن ابن عباس صوَّب ذلك ناسباً له أنه من السنة.
4 - (قال وهب بن كيسان: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة) أخرجه النسائي، كالاستدلال السابق.
المناقشة:
أقوى ما استدل به أصحاب القول الثاني هو قوله -صلى الله عليه وسلم- (أجزأه من الجمعة) وفهموا أن مدلوله من برءت ذمته من الجمعة، ممن كان صحيحاً مقيماً فقد برءت ذمته من الظهر أيضاً إذا صلى العيد يوم الجمعة. يقول الشوكاني في النيل تحت "باب ما جاء في اجتماع العيد والجمعة": ( ... وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر , وإليه ذهب عطاء , والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل) اهـ. والحديث عن الأصل في الجمعة والظهر لا يخرج عن أحد ثلاث:
1 - كلاهما - الظهر والجمعة - أصل في يوم الجمعة ولا بدل ولا مبدل عنه.
2 - الجمعة أصل والظهر بدل منها فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.
3 - الظهر أصل والجمعة بدلٌ منها، فإذا سقط وجوب البدل لا يسقط وجوب المبدل منه.
أما الحالة الأولى: في كون كلا الفرضين أصل، فأهل العلم مطبقون على أن من أدى واحدة صحيحة سقطت عنه الأخرى، ولا دليل من كتاب أو سنة أو قول صحابي أو فعله على أن من سقط عنه أحد الفرضين سقط عنه الآخر، بل العكس هو المستفيض.
أما الحالة الثانية: في كون الجمعة هي الأصل وأن الظهر بدل منها فهو قول مرجوح كما قال الصنعاني في سبل السلام عند حديث زيد بن أرقم في اجتماع العيدين: (ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة، والظهر بدل عنها قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إذا فاتت الجمعة وجب الظهر إجماعاً، فهي – الجمعة – بدل عنه) ا. هـ
ثم عند التأمل يتضح أن فرضية الظهر آكد من فرضية الجمعة وذلك لأمور منها:
1 - أن الأمر بإقامة الظهر يوم الجمعة يتناول أفراداً أكثر بكثير من ما تتناوله الجمعة، فالجمعة على الصحيح لا تجب إلا في حق الصحيح المقيم الذكر، بينما تجب الظهر يوم الجمعة على كل من ترك الجمعة لعذر أو غير عذر.
2 - أن الظهر تقضى، ولا تقضى الجمعة بل تصلى ظهراً.
3 - أن الجمعة لا تصح بلا جماعة إجماعاً، وليست الظهر كذلك.
وبمثل هذه الفروق يتبين أن الظهر أوسع وأشمل فرضية من الجمعة، وما الجمعة إلا شعيرة وضعها الشارع في يوم مخصوص عوضاً عن صلاة الظهر في ذلك اليوم لمن استطاع حضورها، ومن لم يستطع فتبقى ذمته مشغولة بالأصل، وبمثل هذا وكلام الصنعاني السابق يتبين أن الحالة الثالثة، كون الظهر أصلاً والجمعة البدل، هي الراجح في هذا التفصيل، وبالتالي يكون سقوط البدل غير مسقط للأصل.
¥