والاجزاء المقصود به في الحديث هو الترخّص في التخلف عن الاجتماع للصلاة وحضور الخطبة لأن مقصود ذلك تحصّل بالعيد، يقول شيخ الإسلام في الفتاوى (24/ 211): ( .. فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الإجتماع، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظهر في وقتها، والعيد يحصل مقصود الجمعة) ا. هـ
ولو قلنا أن الإجزاء من الجمعة لمن شهد العيد يسقط عنه الظهر فهذا يلزم منه أن كل من حضر العيد سقط عنه فرض الظهر ذكراً كان أو أنثى، مقيماً كان أم مسافراً لأن السبب الذي من أجله رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- متحقق في كل من حضر العيد، ولا فرق بين مسافر ومقيم ذكر أو أنثى في اجزاء الظهر.
2 - مما استدل به أصحاب القول الثاني ما وقع في عهد ابن الزبير من اجتماع العيد والجمعة، وتجميع ابن الزبير -رضي الله عنه- لهاتين الصلاتين وعدم خروجه للناس حتى صلاة العصر بعد ذلك التجميع، وأن ابن عباس -رضي الله عنه- عندما نُقل له ذلك صوّبه وقال أصاب السنة. فلنقف عند هذه الآثار بعض الوقفات، ونجمع تلك الروايات التي وصفت فعل ابن الزبير لنرى بعد ذلك هل تثبت بها حجة في سقوط الظهر عن من صلى العيد وترخص للجمعة أم لا.
أ- رواية أبي داود حين قال عطاء (فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر)، تبين أن ابن الزبير اكتفى بجماعة واحدة ولم يخرج من بيته لجماعة أخرى حتى صلاة العصر، فمن أين يفهم أن ابن الزبير لم يصل الظهر في بيته، ولأنه لو كان خارجاً لصلى بهم الجمعة إذ لا ظهر جماعة يوم الجمعة على الصحيحين المقيمين الذين تجب في حقهم الجمعة. ومن الحق أن يقال أن هذا الأثر ليس فيه حجة لا لمن يقول أنه صلى الظهر في بيته أو لم يصلها.
ب – مما يوضح مقصود الرواية السابقة وهو أن ابن الزبير لم يخرج لجماعة ثانية ولم يكن القصود ترك الظهر هي الرواية الأخرى في صحيح أبي داود، حيث قال عطاء (ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا) حيث يظهر أن أصحاب ابن الزبير عندما تيقنوا بعدم خروج ابن الزبير لتجميعهم مرة ثانية صلوا فرادى، ولا يقال إن مرادهم صلوا الجمعة وحدانا، فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً.
ج- ثم ماذا صلى ابن الزبير؟ هل صلى عيداً أم جمعة؟!
رواية النسائي السابقة فيها تفصيل لإجمال الروايات الأخرى: ( .. فأخر الخروج حتى تعالى النهار،ثم خرج فخطب، فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة) هل هذه الكيفية هي السنة في صلاة العيد: خرج من البيت ثم خطب ثم نزل فصلى؟
فقد أخرج البخاري 962 ومسلم 884 من حديث ابن عباس، أنه قال: ((شهدت العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة.
وقال أبو سعيد كما في البخاري 956 ومسلم 889: (فلم يزل الناس على ذلك - يعني الصلاة قبل الخطبة - حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المدينة – في أضحي أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثيرٌ بين الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقبه قبل أن يصلي، فجذبته بثوبه، فجذبني فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة).
هذه هي السنة في صلاة العيد وما فعله ابن الزبير إما أن يكون جمعة، أو عيداً خلاف السنة،فإن كان عيداً فلا يستطيع كائناً من كان أن يقول بظنٍّ راجح أن ابن الزبير لم يصل ظهراً في بيته.
إضافة إلى ذلك نقول: فأي شيء صوبه ابن عباس لما قال: ((أصاب السنة))، والسنة تشهد كما سبق أن صلاة العيد قبل الخطبة كما رواها هو ابن عباس نفسه؟
فيكون تصويب ابن عباس لأحد أمرين:
¥