الصلاة وبين أن يجعلها عن يمينه أو عن شماله فصح أنه لم يكلفنا الله عز وجل قط مراعاة هذا وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط)
وأما قول الشيخ رحمه الله: (فلا بد لهذا الكلام من فائدة) فهو حق لكن ليس من الظاهر من هذا الكلام ما فهمه شيخ الإسلام من الفرق بين النافلة والفريضة في الاستقبال وكأنه لذلك لم يذهب إليه أحد من الشراح فقد ذكر الحافظ في المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: (هذه القبلة) أربعة أقوال للعلماء ليس فيها هذا الذي ذهب إليه الشيخ وسيأتي
[432]
ذكرها إن شاء الله تعالى فيما سبقت الإشارة إليه
ذلك ويدل لجواز الصلاة أيضا هذا الحديث الآتي:
(وقالت عائشة رضي الله عنها:
(كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال: إن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا في بنائها فأخرجوا الحجر من البيت فإذا أردت أن تصلي في البيت فصل في الحجر فإنما هو قطعة منه)
الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا والطحاوي - والسياق له - وأحمد من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عنها. وقال الترمذي:
(حسن صحيح)
قلت: وأم علقمة هذه اسمها مرجانة وهي مشهورة وفي (التقريب):
(إنها مقبولة)
وقد تابعتها صفية بنت شيبة وهي ثقة مشهورة من رجال الشيخين
أخرجه النسائي والطيالسي مختصرا بلفظ:
قلت: يا رسول الله ألا دخلت البيت؟ قال: (ادخلي الحجر فإنه من البيت)
وإسناده صحيح على شرطهما
[433]
وله طريق أخرى عنها يرويه عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن عائشة نحو الأول
أخرجه البيهقي وأحمد ورجاله ثقات إلا أن عطاء كان قد اختلط
(وقال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن طلحة: (إن كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي)
أخرجه أبو داود والطحاوي وأحمد عن سفيان قال: ثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة أم منصور قالت: أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة قال. . . فذكره
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وليس عند الطحاوي: عن خاله مسافع. فالحديث عنده عن منصور بن صفية عن صفية بنت شيبة قالت
وقد رواه عن منصور أخوه محمد بن عبد الرحمن فجعل بعض الحديث عن منصور عن أمه مباشرة وبعضه عن منصور عن مسافع عن أم منصور
أخرجه الإمام أحمد فقال: ثنا علي بن إسحاق قال: أنا عبد الله قال: أنا محمد بن عبد الرحمن عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن
[434]
أم عثمان بنت سفيان وهي أم بني شيبة الأكابر - قال محمد بن عبد الرحمن:
وقد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شيبة ففتح فلما دخل البيت ورجع وفرغ ورجع شيبة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أجب. فأتاه فقال: إني رأيت في البيت قرنا فغيبه قال منصور: فحدثني عبد الله بن مسافع عن أمي عن أم عثمان بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في الحديث: فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يلهي المصلين
ومحمد بن عبد الرحمن ذكره ابن حبان في (الثقات) وقال الحافظ في (التقريب):
(إنه ضعيف)
قلت: وقد خالف سفيان في عدة مواضع من هذا الحديث:
أولا: جعل الحديث بعضه عن منصور عن أمه وبعضه عنه عن عبد الله ابن مسافع عن أمه
ثانيا: سمى الواسطة بين منصور وبين أمه عبد الله بن مسافع وقال سفيان: مسافع بن شيبة قال: سمى صحابي الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيبة وسماه سفيان: عثمان بن طلحة والصواب رواية سفيان وهي تدل على ضعف محمد بن عبد الرحمن هذا. والله أعلم
والحديثان يدلان على ما دل عليه الحديث السابق من جواز الصلاة في جوف الكعبة:
[435]
أما الأول منهما فمن حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على محبتها الصلاة فيه إلا أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تصلي في الحجر وعلل ذلك بأنه من البيت فدل على جواز الصلاة في البيت كله وفيه الحجر ولعله عليه الصلاة والسلام إنما أمرها أن تصلي فيه دون جوف الكعبة وقتئذ لأن الحجر أفضى لها وأبعد عن مخالطة الرجال
وأما الثاني فقد أشار عليه الصلاة والسلام فيه إلى جواز الصلاة فيه حيث أمر بإزالة ما يشغل المصلي فيه عن الخشوع
وقد استدل بالحديثين على ما ذكرنا من الجواز الطحاوي رحمه الله ونقل القول به عن أبي حنيفة وصاحبيه وهو مذهب الجمهور كما سبق بل ذهب الشافعية إلى أن التنفل في الكعبة أفضل من خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة وأمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها فإن لم يمكن فخارجها أفضل قال الشافعي:
(لا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة). كذا ذكره النووي في (المجموع) ثم قال فيه:
(فإن قيل: كيف جزمتم بأن الصلاة في الكعبة أفضل من خارجها مع أنه مختلف بين العلماء في صحتها والخروج من الخلاف مستحب؟ فالجواب أنا إنما نستحب الخروج من خلاف محترم وهو الخلاف في مسألة اجتهادية أما إذا كان الخلاف مخالفا سنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له ولا
[436]
يستحب الخروج منه لأن صاحبه لم تبلغه هذه السنة وإن بلغته وخالفها فهو محجوج بها. والله أعلم). وهذا كلام حق يجب حفظه فإن كثيرا من المشايخ يتساهلون في كثير من السنن لمجرد أن فيها خلافا من بعض العلماء وقد ذكر ابن القيم في (الزاد) نحو ما نقلناه عن النووي ونص كلامه في ذلك:
(الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطا فترك ما خالفها واتباعها أحوط وأحوط فالاحتياط نوعان: احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة. ولا يخفى رجحان أحدهما على الآخر)
¥