القول الأول: أنه بعد دعاء الاستفتاح. وهو قول الحنفية، والشافعية، وهي الرواية المشهورة عن أحمد، اختارها أبو يعلى، والزركشي [42].
قال الحصفكي: "ويصلي الإمام بهم ركعتين مثنيًا قبل الزوائد" [43].
وقال السرخسي: "ثم لا خلاف أنّه يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح قبل الزوائد، إلاّ في قول ابن أبي ليلى، فإنّه يقول يأتي بالثناء قبل التكبيرات الزوائد" [44].
وقال النوويُّ: "مذهبنا أنّ التكبيرات الزوائد تكون بين دعاء الاستفتاح والتعوذ" [45].
القول الثاني: أنّها قبل دعاء الاستفتاح.
وهو رواية عن أحمد، واختارها الخلال، وأبو بكر غلامه [46].
القول الثالث: أنّه مخير بين ذلك.
وهذه رواية عن الإمام أحمد حكاها المرداوي في الإنصاف [47].
أدلة القول الأول: وجهه عندهم: أن دعاء الاستفتاح شُرِع للصلاة، فتكون في أول الصلاة.
أدلة القول الثاني: وجهه عندهم: أن الاستفتاح تليه الاستعاذة، وهي قبل القراءة.
الترجيح: والراجح أنّ الأمر واسعٌ، ولله الحمد، والله أعلم.
فصل:
عامة الفقهاء على أنّ الاستعاذة بعد التكبيرات؛ لأنّها شرعت لافتتاح القراءة لا الصلاة؛ إلاّ ما يروى عن أبي يوسف القاضي أنّه قال به قبل التكبيرات، قال: "لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة" [48]، والله أعلم.
التكبيرات الزوائد في الركعة الثانية قبل القراءة أم بعدها؟
اختلف أهل العلم في مسألة التكبيرات الزوائد، هل هي في الركعة الثانية، قبل القراءة أم بعدها؟ على قولين:
القول الأول: أنّها تكون بعد القراءة قبل تكبيرة الركوع. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد، اختارها أبو بكر غلام الخلال [49].
قال ابن عابدين: "ويوالي ندبًا بين القراءتين أي بأن يكبر في الركعة الثانية بعد القراءة" [50].
القول الثاني: أنّها تكون قبل القراءة بعد الرفع من السجود. وهو قول الجمهور؛ من المالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة [51].
قال ابن شاس: "ويزيد في الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات" [52].
القول الثالث: يخيّر، وهو رواية عن الإمام أحمد [53].
أدلة القول الأول: استدلوا بأنّ هذا هو صفة صلاة ابن مسعود [54].
وبما أُثِر عن ابن عباس أنّه والى بين القراءتين [55].
أدلة القول الثاني: استدلوا بما رُوَِيَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كليهما). [56]
وعنه قال: كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد سبعًا في الأولى، ثم قرأ، ثم كبّر فركع، ثم سجد، ثم قام فكبّر خمسًا، ثم قرأ، ثم كبّر فركع، ثم سجد [57].
الترجيح: والراجح مذهب الجمهور؛ أنّ التكبيرات تكون في الركعة الثانية قبل القراءة، للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل فعل ابن مسعود وابن عباس كان عن اجتهاد منهما، كما قال البيهقي بعد أن أورد أثر ابن مسعود: "وهذا رأيٌّ من جهة عبد الله بن مسعود، والحديث المسند مع ما عليه عمل المسلمين أولى أن يتبع" [58]، والله أعلم.
إذا نسي الإمام التكبيرات في الأولى حتى قرأ:
لأهل العلم في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنّه إذا نسي التكبيرات حتى قرأ قبل أن يركع؛ رجع وكبّر ثم أعاد القراءة، ثم ركع، ويسجد للسهو قبل السلام. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والقديم من قول الشافعيّ، ووجهٌ عند الحنابلة [59].
قال الكاسانِي: "فإمّا إن تذكرها قبل الفراغ عنها – أي تذكر التكبيرات قبل الفراغ من القراءة – بأن قرأ الفاتحة، دون السورة ترك القراءة، ويأتي بالتكبيرات؛ لأنّه اشتغل بالقراءة قبل أوانها، فيتركها، ويأتي بما هو الأهم؛ ليكون المحلّ محلاً له، ثم يعيد القراءة" [60].
قال ابن عبد البر:: فإن نسي وقرأ، ثم ذكر قبل أن يركع؛ رع فكبَّر التكبير على وجهه، ثم قرأ وتمادى في صلاته، وسجد بع السلام لسهوه" [61].
القول الثاني: أنّه إذا نسيها حتى قرأ؛ فإنّه لا يرجع، ويسجد للسهو في آخرها ندبًا. وهو قول الشافعي الجديد، ومذهب الشافعية، والحنابلة [62].
قال النوويُّ: "ولو تذكرهنّ – أي التكبيرات – قبل الركوع، إمّا في القراءة، وإمّا بعدها، فقولان: الصحيح الجديد أنّه لا يأتي بهنّ لفوات محلهنّ، وهو قبل القراءة.
¥