والجواب عن ذلك أن يُقال: ما يدَّعيه (جمال) بأنَّ هناك أحاديث تصطدم بالقرآن، فإنّها في الحقيقة تصطدم بعقله المضطرب ليس إلاَّ؛ فمن طالع كتبه ومقالاته وسمع أقواله، فسيعلمُ حقيقةَ ما أقول، ومَنْ علم حجَّةٌ على مَنْ لم يعلم.
لقد وضَّح علماءُ الإسلام أنَّه لا يتعارض حديث مع آية، وكان لعلماء المسلمين طرائق منهجيَّة في التعامل مع النصوص القرآنية والنبويَّة التي قد يُشكِلُ ظاهرها، أو يتوهم بعضُ الناس تعارضَ بعضها مع بعضها الآخر، وإذا كان التعارضُ يدور في عقل (جمال) فليس له أن يضعِّف أحاديث اتَّفق العلماءُ على تصحيحها أو تحسينها وبيَّنوا وجه الدلالة منها، بل عليه أن يتَّهم عقله، الذي لم يستطع أن يجمع بين تلك الأحاديث والآيات التي ظاهرها التعارض لديه، وعليه أن يرجع إلى كتب العلماء ليتعلَّم كيف يتعامل مع النصوص التي ظاهرها التعارض.
وأمَّا قوله بأنَّ كتب السنَّة تعجُّ بالموضوعات، فإنَّ هذا قول مجمل! فأي كتب السنَّة يقصد؟ ثمَّ ما الأحاديث الموضوعة التي تعج وتضجُّ منها تلك الكتبُ بزعمه والتي يدعو لاستخراج ما بها من أحاديث مكذوبة وموضوعة حتَّى لا تفسد العقول؟
أليس أهل العلم والحديث المتخصِّصون قد بيَّنوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وأفردوها بكتب وأسفار خاصَّة بذلك؟
فما الذي سيأتينا به الدخلاءُ على علم الحديث وأهله؛ حتَّى يوضِّحوا الأحاديث الموضوعة والمكذوبة المنتشرة في كتب السنة؟
ومن ثمَّ فليبينوا ما القواعد التي سينتهجونها ولا يكون فيها تعارض؟
ومن الذين يوافقهم على ذلك؟ لأن الأمَّة لا تجتمع على ضلالة!
والذي يظهر -مع الأسف- أنَّ جمال البنَّا يريد من كلامه المضي قدماً للطعن في أصح كتابين بعد كتاب الله، وحينها فسيحلو لأهل الأهواء التلاعبُ بنصوص الكتاب والسنَّة وضرب بعضها ببعض، استناداً إلى أهوائهم!
ومِمَّا يبيِّن ما أقوله أنَّ (جمال البنا) قال: إنَّ هناك أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم لا تلزم، وليته اعتمد منهجَ أهل الحديث في التصحيح والتضعيف، بل كان تضعيفُه قائماً على الهوى والحكم المطلق بما يمليه عليه عقلُه، وهو بهذا يريد أن ينقضَّ على الكتب الصحيحة ويبدأ بمعاوله في نقضها قبل غيرها، حتَّى يُشعِر الناس أنَّ دينَهم الذي قاموا عليه عمايةٌ وضلالة، وأنَّ تعبدهم لله قائمٌ على الجهل، إلى أن أتى (جمال البنَّا) فكشف الله به الضلال الذي كانوا عليه!!
(3)
دعوته إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى صريح القرآن
يدعو (البنا) إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى الصريح من القرآن! وهي المرجعية الإسلامية الملزمة عنده فقط، ولنتأمَّل قوله عن المرجعيَّة الملزمة لنا بأنَّها: "القرآن الكريم والصحيح المنضبط من السنة النبوية، أما أحكام الفقهاء وأئمة المذاهب والصحابة إلخ .. فلا تعد ملزمة" [4] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn4).
وإجابة عن ذلك؛ فإنَّ معنى هذا أنَّ أي حديث لم يأتِ عليه دليلٌ من كتاب الله فليضرب به عرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلام (جمال البنَّا) في هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن وقالوا: لا نأخذ إلا به، وأنكروا السنة، وقد كفَّرهم الأزهرُ وغيره من المؤسسات الدينية في دعواهم الأخذَ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة!
و (جمال البنَّا) عبر كلامه هذا يبطلُ الآياتِ التي جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحي يوحى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال -تعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، ومن الآيات التي تدلُّ على أنّ السنة وحي قول الله -عزَّ وجل-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].
¥