وللَّه درُّ الإمام ابن قتيبة إذ قال عن هؤلاء المتَّبعين لمنهج تقديم العقل على النقل: (وقد كان يجب -مع ما يدَّعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر- ألا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّاب والمسَّاح والمهندسون؛ لأن آلتهم لا تدلُّ إلاَّ على عدد واحد، وإلا على شكل واحد، وكما لا يختلف حذَّاق الأطبَّاء في الماء وفي نبض العروق؛ لأنَّ الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد؛ فما بالهم أكثر الناس اختلافاً، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين) (انظر: تأويل مختلف الحديث/ص63). وصدق الله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
(7)
السنَّة في نظره موضع شك وريبة
يقول جمال البنَّا: "إن السنة بما دخلها من الوضع، وبما أدرجه رواة السنة الموثقون من كلامهم في متن الحديث، وما لحق الحديثَ من شذوذ واضطراب ورواية بالمعنى، كل هذا جعل السنة كلها في موضع الشك والريبة بحيث لم تعد محلاً للثقة والاعتماد" [12] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn12)
قد يرى بعضُهم أنِّي قد بالغتُ في اتهامي لجمال البنا بإنكاره لما انفردت به السنَّة النبويَّة المطهَّرة بالأحكام عن القرآن، أو أنَّها جاءت بتفصيلات إضافة على ما في كتاب الله -عزَّ وجل-، ولكن ما ذكرته آنفاً نصُّ كلامه، وهنا يتَّضح مرادُ هذا الرجل؛ حيث إنَّه ينظر النظرة الكالحة للسنَّة النبويَّة المطهرة، ويرى أنَّها اختُرِقت من قبل الرواة، وأدرجوا فيها كلامهم، وعلى هذا فإنَّ أفضل حل عنده أن يجعل السنَّة محلّ شك وارتياب -عياذاً بالله-، وأنَّه لا يجوز روايتها؛ لأنَّها لم تعد محلاً للثقة والاعتماد، وصدق من قال:
يقولون: هذا عندنا غير جائزٍ ومن أنتم حتَّى يكون لكم (عندُ)؟!
فليبيِّن إذاً ما المواضعُ التي حصل فيها شذوذ واضطراب؟ ولا يلقِ الكلام جزافاً، فإنَّ له أهلَ الحديث المتخصِّصين الذين سيفرمون أقواله فرماً، ويوضِّحون عوارها وضلالها.
ومن كان لديه أدنى إلمام بهذا العلم فسيعلم أنَّ (جمالا) يتحدَّث فيما لا يعلمه ولا يحسنه، وعلى غير قواعد علماء الجرح والتعديل، فهو يحكم بالشذوذ والاضطراب والضعف والنكارة على أحاديث بمقتضى ما يمليه عليه هواه، دون أثارة من علم، ولا مستند من قواعد منهجيَّة وأصول مرعيَّة حكاها أهل العلم أو أجمعوا عليها.
فمن أين أو أنَّى وكيف ضلالهم هدى، والهوى شتَّى بهم متشعِّب؟!
(8)
إلغاؤه لجهاد القتال
يرى (جمال البنا) أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ فيقول: "أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وإنَّ جهاد القتال أُلغي! " [13] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?CategoryID=53&ArticleID=1763#_ftn13)
وجواباً عنه؛ فلا أدري أين سيذهب (جمال البنَّا) بمئات الآيات والأحاديث التي تأمر بجهاد الكفَّار والذي يعني القتال في سبيل الله، والتي توضِّح أنَّ علم الجهاد لا يزال قائماً حتَّى قيام السَّاعة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد من حديث ثوبان -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
وروى الصحابي الجليل عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).
وفي حديث جابر بن سمرة مرفوعاً إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين حتى تقوم الساعة)، وكلُّ هذه الأحاديث في صحيح مسلم!
¥