تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال: (( ... فإنّ هلاكه أقرب، ونجاته أغرب، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له: الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ، وما أنتَ غيرُه، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام، فما عرفوا ما عَرَفت، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له: أنتَ ممَّن قال لهم: اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة،فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً، يمرقُ من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة".انتهى [المواقف 3/ 1043]

[ملاحظة: سأتكلّم على كتاب المواقف بالتفصيل لاحقًا إن شاء الله، ولكن حتى لا يلتبس على بعض الإخوة استشهادي بكتاب المواقف أقول: نعم إن كتاب المواقف المطبوع ليس من تأليف الأمير، ولكن له فيه كلام كثير، جمعه وضمّه إلى أمثاله حتى خرج في ثلاثة مجلدات الشيخ محمد الخاني، لذلك فإنني أستشهد بكلام الأمير الموجود في المواقف! وألزم به الذين يقطعون بنسبته إليه]

وليس من الضروري أن يكون الأمير قرأ كلام الإمام الذهبي في ابن عربي، ومع ذلك فإنّه إذا قرأه ربّما يجد فيه ما يدفعه لحسن الظن به! قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ((ابن العربي: العلاّمة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي، نزيل دمشق.

ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف، وسمع بمكة من زاهر بن رستم، وبدمشق من ابن الحرستاني، وببغداد. وسكن الروم مدة، وكان ذكيًا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات وعلق شيئًا كثيرًا في تصوف أهل الوحدة.

ومن أردئ تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لاكفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله! وقد عظّمه جماعة وتكلّفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجًا.

قلتُ: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت، فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز.

توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مئة. وقد أوردت عنه في "التاريخ الكبير".

وله شعر رائق، وعلم واسع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب "الفصوص"!)).انتهى

وأما قول الأخ الكاتب إن الأمير اختار الإقامة بدمشق لأنها دار إقامة ابن عربي فهو ظنّ منه فيما يبدو؛ وطبعًا ظنٌ غير صحيح، وليته أتى بدليل على ذلك. وقد ذكرنا سابقًا أن الأمير اختار مكّة لإقامته، والذي يُذكر في المراجع التاريخية أنه طلب من الحكومة الفرنسية تأمين سفينة توصله إلى ميناء الإسكندرية أو عكّا، وذلك لأنّ هذين الميناءين هما المنفذ للوصول إلى مكّة المكرّمة.

وما ذكره الكاتب من سكنى الأمير في دار ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه فأيضًا غير صحيح،

إن الأمير بعد قدومه إلى دمشق استقبله واليها واستضافه في أحد الدور التابعة للحكومة، وبعد بقائه في تلك الدار مدّةً قصيرة اشترى الأمير عدة دور صغيرة في حيّ العمارة بدمشق القديمة وهدمها وبنى مكانها دارًا واسعة وانتقل إليها وهي أبعد ما تكون عن مقام ابن عربي! [فمكان إقامة ابن عربي ومقامه يقعان خارج أسوار مدينة دمشق بمسافة بعيدة جدًا. في أعلى سفح جبل قاسيون]

وأما أنه دُفن بجانب قبر ابن عربي فصحيح، ومازال قبره باقيًا إلى اليوم مع أنّ الحكومة الجزائريّة نقلت رفاته إلى الجزائر سنة 1966م.

ولكن أحب أن أنبّه هنا على أمر هام جدًّا، وهو أنّ الأمير كان قد اشترى أرضًا بجانب مقبرة الدحداح القريبة من حي العمارة شمال الجامع الأموي، وجعلها مقبرة وأوقفها على أسرته، ولمّا ماتت أمّه دفنها في وسطها، وأوصى أن يُدفن إلى جوارها (وهذا ثابت ومشهور عند أفراد أسرته إلى اليوم)، وحبّه لأمه وتعلقه بها معروف وذَكَرَه جلّ الذين ألّفوا عن حياته. ولكن عندما مات الأمير أشار بعض الشيوخ على أولاده أن يُدفن إلى جوار ابن عربي، وترددوا في الأمر إلى أن اجتمعت الآراء على دفنه بجوار ابن عربي، فاجتمع مجلس إدارة الولاية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير