للمذاكرة في هذا الأمر ووافق عليه بعد ترخيصٍ من الباب العالي.
إذن من ادّعى أن الأمير أوصى أن يُدفن بجانب قبر ابن عربي فادّعاؤه باطل. ووصيّة الأمير موجودة وليس فيها هذا الطلب!
من المعلوم كيف كان ـ وما زال ـ المعتقدون بابن عربي يعقدون دروسهم في مقام ابن عربي!
وللفائدة فإنّ الأمير عبد القادر لم يُدرّس أبدًا في مقام ابن عربي، وإنما كانت دروسه في دار الحديث، أو في الجامع الأموي، أو في المدرسة الجقمقيّة، أو في داره الخاصّة.
وإذا كانت هذه الظنون من الكاتب إنما وضعها ليبرهن على شدة تقديس الأمير لابن عربي، فماذا عن ادّعاءاته بخصوص تقديس الحلاج والتلمساني؟ هل سكن في دورهم أيضًا أو رحل واستوطن في بلادهم؟!!
ثمّ لماذا الزج بأمثال هؤلاء في معرض الحديث عن علاقة الأمير بابن عربي؟!!
من المعلوم الفرق الكبير بين هذه الشخصيات الثلاثة، وإذا كان البعض يلصق الأمير بابن عربي بحجة كتاب المواقف أو بتلك الظنون والأوهام، فما هي حجّتهم عندما يلصقون به الحلاج والتلمساني؟؟
مرَّ معنا سابقًا قول ابن القيّم في دفاعه عن الهروي: ((ولولا مقَامُه في الإيمان والمعرفة، والقيام بالأوامر، لكُنَّا نُسيء به الظنّ)) وكذلك قوله: ((والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه))
إذن هناك قرائن تدل على حال الرجل وما يريد. والإنكار الذي وجّه إلى ابن عربي إنما هو في اشتمال عباراته وأشعاره لكلامٍ مخالف لظاهر الشرع، ولا يجوز السكوت عنه.
أمّا الحلاّج فكل من يقرأ سيرته يعلم أنه كان مشعوذًا ودجالاً، وليس من أهل العلم والتديّن، وظهرت منه أفعال منافية للدين. [انظره في (سير أعلام النبلاء) للذهبي]، وأما التلمساني فأمره أشد وأدهى، فقد كان يتُهم بالخمر والفسق والقيادة. [انظره (تاريخ الإسلام) للذهبي]
وكذلك كل من اتهمهم العلماء بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد أو وحدة الوجود حقيقةً، نجد في سيرهم أنهم كانوا إما تاركين للصلاة أو منتهكين للمحارم أو منحطين إلى أرذل الأخلاق.
ـ[أبو إدريس الحسني]ــــــــ[12 - 07 - 08, 02:27 ص]ـ
وأنا الآن لست بصدد الحديث عن ابن عربي، والناس فيه على فرق ثلاث.
وإنما أنا بصدد الحديث عن الأمير عبد القادر، فإذا كان العلماء يدافعون عن أشخاص تلفّظوا بكلام مرفوض شرعًا، بحجة أنهم أهل علم وصلاح ومقامهم في الإيمان عال. فكيف يكون موقفنا ممن يحترم أولئك الأشخاص فحسب ولم يتلفّظ بكلامهم بل تبرّئ من تلك المعتقدات؟ والذي شُهِد له بالصلابة في الدين، والتقوى والصلاح، والذي حَفِظَ القرآن وعمره خمسة عشر سنة، وتلقى الفقه والحديث، وجاهد في سبيل الله، وحكّم القرآن والسنة في شؤون إمارته كلها، وواظب على حضور الجمع والجماعة إلى آخر يوم من حياته، بل لم يفوّت الصلاة على وقتها جماعة وهو في بلاد الصليبيين وفي معاقلهم (قصر فرساي) وذلك أثناء زيارته لفرنسة مبعوثًا من قِبَل السلطان عبد المجيد خان، يقول محمد باشا: ((ثم نزل الأمير إلى الجنينة في ساحة السراية وصلى الظهر بمن معه من رفاقه، ثمّ ودّع الجنرال، وركب العربة المعدّة له وتوجه إلى غابة بلونيا وصلى العصر بمرأى من جموع كثيرة اجتمعت لرؤيته. أخبرني بعض من كان حاضرًا معه أنّ جميع من كان موجودًا في ذلك اليوم بتلك الغابة من الفرنساويين وغيرهم وقفوا صفوفًا ينظرون إلى صلاته ويمدحونه على إظهار شعائر دينه، ثم قال: والحق يُقال إن منظر الأمير منتصبًا للصلاة أمام الجميع خاشعًا لحضرة الحق تعالى، لَمِنَ المناظر التي تتحرك بها القلوب وتصرفها إلى جانب الحق تعالى، وبعد أن أتمّ صلاته توجّه إلى محلّ نزوله؛ واتّخذت الحكومة على محل صلاته سياجًا من حديد احترامًا له، وهو موجود لهذا العهد)).انتهى [تحفة الزائر2/ 158]
¥