تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الضابط البريطاني لورنس شديد الكره للجزائريين وبخاصة للأمير عبدو لأنه لمس فيه قوة، ووجده عقبة كبيرة في طريق مخططاته، ووصفه فيما بعد في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) بعدوّه القديم، ورفض باسم بريطانيا تأليف هذه الحكومة المؤقتة، وعيّن شكري بك الأيوبي سرًا حاكمًا عسكريًا على جميع المناطق في حالة دخول القوات البريطانية التي أرسلها الجنرال (اللنبي) لاحتلال المدن، ودخول مدينة دمشق، ورفع العلم البريطاني على مقر الوالي التركي المنسحب، قبل دخوله إلى جانب الأمير فيصل.

إنّ الكولونيل لورنس البريطاني والجهات الاستعمارية وعملاءهم أدركوا منذ أمدٍ أن الأمير سعيدًا وأخاه الأمير عبد القادر الحفيد (عبدو) لن يكونا متعاونين معهم وأنهما أصحاب مبادئ إسلامية يصعب تجاوزها، ومِنْ ثَمَّ فإنهما سيكونان عقبةً في طريق الاستعمار، فلا بد من إزاحتهما عن الطريق وبسرعة!!

وفي صباح اليوم التالي حصل حادث أليم ومفجع؛ لقد اغتيل الأمير عبدو في شارع العفيف، وهو على صهوة حصانه، بطلقات نارية أُطلقت عليه من الخلف فأصابت ظهره وكان فيها حتفه، رحمه الله.

((وبينما كان الأمير سعيد ذاهبًا لملاقاة محمد علي التميمي الذي عينه مديرًا للشرطة يوم إعلانه الاستقلال، لقيه هذا المدير ومعه قائد الدرك سعدي كحّالة فوق جسر المرجة فأشارا لسيارته بالوقوف، فوقف الأمير وهو خالي الذهن من كل حادث فسألهم ماذا تريدون؟ فأجابوه: إن رضا باشا الركابي يطلبك. فقال ها أنا ذاهب إليه. وهكذا صعد الأمير إلى السراي، وما كاد رضا باشا الركابي يشعر بمجيئه من ياوره حتى دخل غرفة معاونه وكان يومئذ عادل أرسلان فسأله الأمير:"ماذا تريدون مني؟ " فأجابه: ليس الباشا هو الذي طلبك وإنما الماجور (ستيرلنك). فترك الغرفة وأراد الذهاب لعند الماجور فاعترضه سعدي كحّالة ومحمد علي التميمي وسألاه فيما إذا كان يحمل سلاحًا فنهره الأمير وقال:"ألا تستحي من توجيه هذا السؤال إلى من ولاّك هذا المنصب وله الفضل فيما حصلت عليه البلاد؟ " فوجم التميمي واحمرّ خجلاً ولم يزد كلمة واحدة، ولمّا أراد الأمير أن يركب سيارته أُبلِغ أنها صودرت بأمر الحاكم العسكري وقدّم له رجال البوليس عربة حقيرة فامتنع عن ركوبها وفضّل المشي على الأقدام، ولمّا مُنع عن ذلك قال للشرطة:"إما أن أسير على قدمي وإما أن تركبوني هذه العربة وأشار إلى عربة الحاكم الواقفة أمام دار الحكومة، وهذه العربة أيضًا صودرت من جنرال تركي اسمه مصطفى رمزي باشا، وهكذا ركب الأمير العربة وحولها عشرات من فرسان الدرك المدججين بالسلاح ووجهتُهم سراي المشيرية التي كانت مشغولة من الإنكليز فأدخلوه على الماجور (ستيرلنك) فرحّب به، ولمّا سأله عن سبب طلبه بهذا الشكل الذي يتنافى مع العدل ولا يتناسب مثل هذا الإجراء مع أمير له عمله الإنساني وخدمة الوطنية، فأجابه ستيرلنك بأنك موقوف لإرسالك (للرملة) أنت وأخوك لعند الجنرال (اللنبي). وقد كتم عنه قتل أخيه خشية أن يثور. فأجابه الأمير:"إن مثلنا لا يحتاج أن يرسل موقوفًا فنحن على استعداد للذهاب حيث شئتم من تلقاء أنفسنا ونحن مستعدون أيضًا أن نأتيكم بكفلاء، ونحن جبيننا ناصع ولا نخشى من أحد إلا الله الواحد الأحد ما دمنا لم نفعل شيئًا يخالف القانون"

فقال ستيرلنك: إن ما تقوله صحيح ولكني مأمور بإرسالكم مخفورين إلى الرملة. فأخذوا الأمير إلى غرفة خاصة بقي فيها إلى المساء.

وبعد هذا جاء ضابط إنكليزي واستصحب الأمير مع نفرين من البوليس الإنكليزي إلى معتقل (المزّة) فوضعوه بغرفة على التراب لا تحتوي على شيء من مقاعد ولا فرش .. )) [جهاد نصف قرن ص122]

وعند منتصف الليل سُمِح لابن عمّه الأمير كاظم أن يدخل عليه ليُخبره باستشهاد أخيه.

وعندما سأل الأمير سعيد الجنرال البريطاني عن سبب اعتقاله ((أجابه الجنرال بأن الحكومة تتهمه وأخاه بأنهما ادّخرا السلاح وساعدا الأتراك!! (انتبه أخي الكاتب والقارئ) وغير ذلك من التهم التي لا تنطبق إلا على الذين سوف يكشف الزمان عن ماضيهم الأسود)) [المرجع السابق ص125]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير