تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثمّ سُمِحَ للأمير سعيد بالذهاب إلى بيته وقتيًّا. ((وما كاد الأمير سعيد يعود إلى بيته ويستقرّ به المقام حتى أخذت وفود المدينة تأتي للسلام والتعزية وكان في مقدمة من حضر العلماء وعلى رأسهم المحدّث الشيخ بدر الدين الحسني والعلاّمة السيد محمد بن جعفر الكتّاني)) [المرجع السابق ص125]

وبعد يومين من دفن الأمير عبدو، أي في 5/ 10/1918 أذاع الأمير فيصل بلاغًا أعلن فيه تشكيل حكومة سورية دستورية عربية مستقلة [انظر (الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية في العهدين الفيصلي والفرنسي) لـ حسن الحكيم ص37].

وفي 10/ 12/1918، زار الأمير فيصل (لندن) العاصمة البريطانية، وفوجئ بتأكيد البريطانيين له أن اتفاقية سايكس ـ بيكو بتقسيم البلاد العربية أمر واقع، وأن ما حملهم على إخفائه عن والده الشريف حسين إنما هو رغبتهم في متابعة العرب الحرب إلى جانب الحلفاء على تركيا، كما أكدوا له بما لا لبس فيه أن بريطانيا العظمى غير مستعدّة للتراجع عن وعد بلفور الذي أعطته لليهود، وأن في نيّة بريطانيا منح فرنسا المناطق الساحلية الواقعة غربي دمشق ومدن حمص وحماة وحلب، وأما وعد بلفور فقد قضت به ظروف دولية. [انظر (السياسة الدولية في الشرق العربي) لـ عادل إسماعيل الجزء الرابع]

وعاد الملك فيصل خائبًا، وكان يَعِدُ نفسه منذ سنين لتولي عرش سورية ولبنان وفلسطين ووالده خليفة للعرب والمسلمين، عاد ليجد أن البلاد أصبحت كالطريدة تتقاسمها الذئاب الجائعة.

وأكتفي بهذا العرض وبتلك النقول التي تبيّن وبجلاء أن الاتهامات التي وجهها الأخ الكاتب للأمير عبد القادر وأحفاده، لاسيما الأمير سعيد، هي اتهامات باطلة.

وأظن أنه أصبح واضحًا للجميع أن الأمير عبد القادر وأبناءَهُ وأحفاده كانوا دائمًا موالين للخلافة العثمانية الإسلامية، ومعادين للسياسات الأوربية الاستعمارية. ولا أظن عاقلاً يصف المواقف التي وقفها الأمير سعيد أو الأمير عبدو بالمواقف الماسونية أو العميلة!

وللفائدة فإنّ الأمير سعيد الذي يتّهمه الكاتب بالعمالة والماسونية، كان يسعى وبكل جهد لأجل دعم الثورة الجزائرية لتحرير الجزائر من الفرنسيين، وكان يجري الاتصالات مع كل الزعماء والملوك العرب للحصول على دعمهم ومساندتهم، ومن هؤلاء الملك سعود بن عبد العزيز، وعندي صورة عن الرسالة الجوابيّة التي أرسلها الملك سعود للأمير سعيد وسأرفق صورتها لكم، وإليكم نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

المملكة العربية السعودية

عدد

15/ 1/2/ 689 في 14من شهر ربيع الأول سنة 1376

((من سعود بن عبد العزيز إلى صاحب السعادة الأمير محمد سعيد الجزائري سلّمه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد فقد تسلمنا رسالة سموّكم المؤرخة 23 محرم 1376 وشكرنا لكم ما أعربتم عنه من عواطف طيبة كما شكرنا لكم هديتكم الثمينة التي هي كتاب الله عزوجل.

أما فيما يتعلق بقضية الجزائر فنحن والحمد لله ما توانينا منذ البداية عن بذل الجهود في مساعدتها كما أننا لن نتوانى بحول الله وقوته على ذلك فهي قضية العرب والمسلمين أجمعين.

نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير الإسلام والعروبة والسلام)).انتهى

وبالمناسبة فإنّ الأمير سعيد كان يحترم دولة آل سعود ويرفض أي صدام معها، وكان له دور بارز في منع الصدام وهذا يشهد له به المؤرّخون.

يقول الأستاذ المؤرخ أنور الرفاعي: ((فأخذت الإشاعات تروج بأن الأمير فيصل يرغب بإرسال الجنود العرب السوريين إلى الحجاز لقتال عبد العزيز بن سعود الذي كان قد اختلف مع الملك حسين في الجزيرة العربية، واتّجهت أنظار اللبنانيين إلى الأمير سعيد لترشيحه على عرش سورية ولبنان، فلقد جاء في جريدتي النادي والروضة اللتين تصدران في بيروت بتاريخ 26 تموز 1919 مايلي:""في دار سمو الأمير سعيد عبد القادر

ما بلغ منشور التجنيد في الشام مسامع أهل حلب وحمص وحماه حتى توافدت الجماهير لبيت سمو الأمير سعيد من كل هذه الأقطار المذكورة يستغيثون به ويلتمسون ترشيحه للإمارة السورية حفظًا لحقوقهم وحقنًا لدماء أبنائهم الذين يتهددهم الموت في محاربة ابن سعود، وكلّهم برأي واحد، يؤيّدون هذا المبدأ بكل ما لديهم من القوة ويطلبون راية سورية مستقلة، شعارها حكومة ديموقراطية لا صبغة فيها لملك الحجاز؛ فوعدهم الأمير خيرًا ولو اقتضى الأمر بذل النفس والنفيس، فخرجوا وكلّهم صوت واحد يصرخ: فليحيا الأمير محمد سعيد"")) [جهاد نصف قرن ص135]

فائدة: إنّ المغاربة الجزائريين كانوا ـ ومنذ بداية قيام الدولة السعودية الأولى بمشاركة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ـ رافضين للانحياز إلى جانب دون آخر من المسلمين!

جاء في رسالة السيد محيي الدين بن مصطفى الحسني؛ والد الأمير عبد القادر؛ والتي أرسلها إلى أخيه السيد علي بو طالب، في رحلة الحج: (( ... فقد أنعم الله علينا بتمام الحج والعمرة، فلله الحمد والمنة؛ فقد يسّره الله علينا مع تضييق الزمان علينا لأنّ أهل مصر امتُحنوا بالفتنة وامتنعوا من الذهاب في البرّ وعطّلونا)) [وقصده بالفتنة ثورة المماليك على أمير مصر] إلى أن قال ((وعطلونا إلى الثاني عشر من ذي القعدة .. ثم قال: وعجّل اللهُ علينا بفضله فمكثنا في البحر ثمانية أيّام، الحاصل بين مكّة ومصر أربعة عشر يومًا، ووقفنا بالأربعاء ... إلى أن قال: ((إنّ السلطان [أي أمير مكّة فيما يظهر] حاصر خلقًا كثيرًا من الحجاج المغاربة وأجبرهم على الخروج ليجعلهم عسكرًا يتقوى بهم على الوهّابيين [والحرب التي تحدث عنها محيي الدين كانت بين أمير مكة وأمراء نجد الوهابيين] ثم قال: ((وكذلك كان مصير الركب الشامي ـ ثمّ ذكرَ أنّ المغاربة رفضوا كما رفضَ أهل الشام التجنيد الإجباري، واستعمل المغاربة السلاح ومات من الجانبين أموات)).انتهى [بحروفه من مقال للأستاذ المهدي البوعبدلي بعنوان (وثائق أصيلة تلقي الضوء على حياة الأمير عبد القادر) منشور في مجلة الثقافة الصادرة عن وزارة الثقافة في الجزائر العدد 75 رجب 1403هـ،أيار 1983م ص134، والتعليقات التي بين المعقوفتين للبوعبدلي].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير