تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(((وبالفعل بعد انتقال الأمير إلى دمشق شعر بالتحركات الأوربية في بلاد الشام، ولمّا بدأت أحداث جبل لبنان راح الأمير يحذّر رؤساء البلد من عاقبة اشتعال هذه الفتنة، ومن العواقب المترتبة عليها، وبيَّن كيف يمكن للغرب أن يستغلّ هذا الحدث، بل وحتمية وقوف الغرب نفسه وراء هذه الفتنة، وكان يحثهم على بذل المجهود في درء هذه الفتنة، لكن لم تلق كلماته آذانًا صاغية، ولا قلوباً واعية!)))

(((ففي سنة (1276هـ،1860م) مازالت تلك الفتنة تتعاظم وتشتعل نيرانها والدولة العثمانية غير ملتفة إلى تسكين تلك الفتنة، إلى أن وصلت نارها إلى دمشق وبدأ الغوغاء من الناس بالتعرض للمسيحيين بالضرب والقتل، وكان موقف والي دمشق أحمد باشا ورؤساء الجند سلبياً من الفتنة وذلك لقلّة عدد الجند، لكنّه قدّم لرجال الأمير المساعدة والسلاح. وتحرّكت إِحَنُ المسلمين على النصارى وتذكروا ما نالهم من "حنّا بك البحري" وطائفته من الاعتداء أيّام دخول جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي فقام بعض المشايخ والوجهاء في دمشق وشجعوا الغوغاء على قتل المسيحيين، وسبب ذلك هو تجبر النصارى وتكبرهم وتجاوزهم حدّهم وخروجهم عن العهود الذميّة، وتعلّقهم بالدول الإفرنجيّة! وكذلك بسبب المرسوم السلطاني المسمّى بـ (الخط الهمايوني) الذي تضمّن بعض الامتيازات للنصارى على حساب المسلمين))).انتهى ملخصًا [انظر (تحفة الزائر) 2/ 93، و (نخبة ما تسر به النواظر) ص251]

وقد صدر هذا المرسوم كما مرّ معنا سابقاً تحت ضغط من الدول الأوربيّة، قال تشرشل:"فالدول المسيحية، بانتزاعها من الترك قانون (خط همايون) سنة 1856م، قد جعلتهم يضعون السكين على رقبتهم".انتهى [حياة الأمير لتشرشل ص278]

يقول محمد باشا: ((والباعث للأمير على حمل تلك المشاق تأييد الدولة العليّة والدفاع عن حوزتهاإذ لو لم يقف في وجوه الغوغاء لاستأصلوا النصارى واستلحموهم وتفاقم الأمر أكثر مما وقع وبذلك يحصل للدولة من الارتباك ما لا يخفى، ولعناية الله بصاحب الخلافة العظمى ورعايته لسلطنته لم يقع أدنى خلل يتشبّث به الأعداء لإلحاق الضرر بالدولة العليّة، ولم يزل الأمير يعاني المشاق إلى أن حضر صاحب الدولة فؤاد باشا وزير الخارجية إلى دمشق، ولأوّل وصوله أجرى فيها حكومة عرفية خارجة عن القوانين المعتادة فقبض على ألوف من أهلها حتى امتلأت بهم السجون وأمر برد المسلوبات وعيّن لذلك مجالس مخصوصة في محلات البلدة وأنحائها فجمعوا أغلبهم، وأجرى ما أمر بإجرائه من إمعان النظر وتحقيق الدعاوي ثم فعل ما رآه صواباً واقتضته السياسة، فقتل من ثبت عليه القتل أو قامت عليه البينة بأنه أثار الفتنة أو وافق عليها ونفى جماعة من الأعيان والعلماء لتقصيرهم عن تدارك الأمر وكف أيدي الغوغاء ... )) انتهى [تحفة الزائر 2/ 94]

ويقول السيد أحمد بن محيي الدين الحسني: ((ومن الأشخاص الذين قررَ فؤاد باشا أن يشنقهم: الشيخ عبد الله الحلبي، وعمر أفندي الغزي، وعبد الله بيك من رؤساء المجلس، ومفتي البلد طاهر أفندي، ونقيب الأشراف العجلاني وغيرهم من وجوه البلد وأكابرها. فلما سمع الأمير بذلك ذهب إلى فؤاد باشا وعارضه كل المعارضة، فقال له فؤاد باشا: لابُدّ من ذلك ولا مندوحة عمّا هنالك. لأنّ إطفاء نار تلك الفتنة لا يتم إلاّ بقتل أولئك الأشخاص. وما زال الأمير يُعارضه ويُراجعه إلى أن قَبِلَ رجاءَهُ فيهم وصرف عنهم القتل إلى النفي المؤبّد، فنُفيَ بعضهم إلى قبرص، وبعضهم إلى جزيرة رودس. وبعد نفي أولئك أمر فؤاد باشا بقتل الوالي أحمد باشا ومعه بعض باشاوات العسكر.

وإنما عارض الأمير كل المعارضة في دفع القتل عن المذكورين لنِسْبَة بعضهم إلى العلم والبعض إلى الشرف، وفي قتلهم إهانة للدين المحمدي. . وما دافع الأمير عن تلك الجماعة ـ مع شدّة عداوتهم له وهم الذين أمروا بإحراق بيته ـ إلاّ لكون موتهم ثلمة في الإسلام)).انتهى [مخطوط (نُخبة ما تُسر به النواظر .. ) ص254]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير