ب) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيٍّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَرَاءَى نَارُهُمَا)) رواه أبو داود.
ج) عَنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أُبَايِعُهُ فَقُلْتُ: هَاتِ يَدَكَ وَاشْتَرِطْ عَلَيَّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالشَّرْطِ، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: ((أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَنْصَحَ الْمُسْلِمَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكَ)) رواه أحمد.
د) عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ أَشْرَكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ عَمَلًا حَتَّى يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ)) رواه أحمد.
وممّا يؤيّد هذا القول مقاصد الشّرع، ونذكر منها:
1 - وجوب هجر المكان الذي يكفر فيه بالله، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ}.
2 - تكثيف سواد المسلمين.
3 - تيسير الجهاد على أهل الإسلام.
4 - اجتناب المفاسد المترتبة من الإقامة بين الكفّار ومنها: خطر الردّة عن الدّين، الزّواج بالكافرات، الجناية على الأبناء، التجنّس بجنسيّتهم-وفي هذا إعلان الولاء التامّ لهم-، محبّة الكفّار وموالاتهم دون أن يشعر المسلم مع الأيّام، ذهاب الغيرة والحمية على الدّين، الذلّ والصّغار الّذي يلحق المقيم بينهم، كثرة التّفكير في السّفر لبلاد الكفر.
فالأصل وجوب الهجرة من بلاد الكفر إلا لحاجة وبشروط، وسيأتي بيان ذلك في الحديث عن السفر إلى بلاد الكفر.
(تنبيه مهّم): يعتقد كثير من الناس أنّ المقصود من إظهار الدّين هو إقامة الصّلاة، والصّيام، وقراءة القرآن في الدّيار الكافرة، دون أذيّة أو اعتداء، وأنّ من فعل ذلك فقد أظهر دينه بينهم، وهذا غلط فظيع، وخطأ شنيع، ويحسن بنا أن ننقل كلام أهل العلم في بيان معنى إظهار الدّين:
قال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب كما في " الدّرر السنيّة ": "وإظهار الدّين تكفيرهم وعيب دينهم، والطّعن عليهم، والبراءة منهم، والتحفظ من مودتهم والركون إليهم، واعتزالهم، وليس فعل الصلوات فقط إظهاراً للدين، وقول القائل إنّا نعتزلهم في الصلاة ولا نأكل ذبيحتهم حسن، لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده بل لا بدّ ممّا ذكر ".
وقال الشّيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: " والمراد التصريح باستمرار العداوة والبغضاء لمن لم يُوَحّد ربه، فمن حقّق ذلك علماً وعملاً، وصرح به حتى يعلمه منه أهل بلده، لم تجب عليه الهجرة من أي بلد كان، وأمّا من لم يكن كذلك، بل ظنّ أنّه إذا تُرِك يصلي ويصوم ويحج، سقطت عنه الهجرة، فهذا جهل بالدين، وغفول عن زبدة رسالة المرسلين".
و قال الشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشيخ: " إظهاره دينَه ليس مجرّد فعل الصّلاة وسائر فروع الدّين واجتناب محرّماته من الرّبا وغير ذلك، إنّما إظهار الدّين مجاهرته بالتّوحيد، والبراءة ممّا عليه المشركون من الشّرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال".
أماّ السفر إلى بلاد الكفر:
فإنّه محرّم لما سبق من الأدلّة، ولما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، بسبب ما ينتشر في هذه الدول من الكفر والفسوق والانحلال، وأغلب الناس سريع التأثر بما عليه الكفار، وخاصة في زماننا هذا الذي نرى فيه حرص كثير من المسلمين على تقليد الكفار واتباعهم وهم في ديار الإسلام فكيف الحال بمن هو بين أظهرهم، والمسافر عندما يشاهد أهل الكفر أول مرة قد يستغرب ما هم فيه وينكر عليهم ويبغض ذلك، لكن بالتكرار يألفه ويعتاده، وكثرة المساس تفقد الإحساس.
فالأصل: تحريم السفر لبلاد الكفر لما سبق ذكره، ولكن قد يجوز ذلك إذا كان لحاجة شرعية - كالعلاج والتجارة وتعلّم التخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلاّ بالسفر إليهم - و إذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين.
¥