" محمل هذه الأحاديث عندنا على من لا نيّة له في الإقامة لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدد المتقاربة، وإنّما ذلك مثل أن يقول: أخرج اليوم، أخرج غدا، وإذا كان هكذا فلا عزيمة ههنا على الإقامة، قيل لأحمد بن حنبل: فإذا قال: أخرج اليوم، أخرج غدا يقصر؟ قال: هذا شيء آخر، هذا لم يعزم".
الحاصل: ملخّص ما ذكرناه أنّ المسافر إذا كان في الطّريق أو دخل بلدة لا ينوي الإقامة بها لعذر أو مانع أو قضاء حاجة، فهذا يقصر باتّفاق.
الحالة الثالثة: أن يصل المسافر إلى البلد الذي يقصد، ويُجمِع ويعزم على الإقامة، فاختلف العلماء في ذلك، و الرّاجح في المسألة هو التّفصيل:
- فإن لم يعزم على الإقامة الّتي تخرجه عن حدّ السّفر (ويُدرَك ذلك بالعرف)، فإنّه يقصر كما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصحابة في الآثار السابقة.
- أما إن أجمع على الإقامة التي تخرجه عن حد السفر عرفا، بأن يتّخذ ذلك وطنا له مؤقّتا، فإنّه يُتِم لأنّه ليس مسافرا لا لغة ولا عرفا ولا شرعًا:
أمّا لغة: فإنّ النّاس صنفان: مقيم ومسافر، فإن لم يكن مسافرا لغةً فهو مقيم، وليس هناك وسط.
أما عرفا: فلا زال السلف يرحلون في طلب العلم، وينتقلون من بلد لآخر ويقيمون سنوات، و كانوا يتمون صلاتهم، بل بعضهم يصير إماما في تلك البلد مع عزمه على الرجوع إلى بلده.
أما شرعا: فلأنه لا يدخل في حكم ابن السبيل فلا يعطى من الزكاة، كما لا يحل له المسح ثلاثًا، ولا تسقط عنه الجمعة، ولا يحل له الفطر في رمضان وغير ذلك من الأحكام.
السؤال الرابع:
- إذا زار المقيم هنا أهله في بلده الأصلي، فهل يقصّر أم يتم؟
الجواب:
إذا زار المقيم أهله في بلده الأصلي، يجب عليه تقصير الصلاة لأنه مسافر، والله أعلم.
السؤال الخامس:
- ما حكم الصّلاة وراء العاصي (كحالق اللحية والمسبل)، ووراء من ظهرت منه بعض البدع؟ وهل الأولى لمُّ الجمع أو تعدد الجماعات والصلاة منفردًا؟
الجواب:
ينبغي للمسلم أن يختار الإمامَ الذي يصلي خلفه، فلا يصلي وراء العاصي (كحالق اللحية والمسبل) وهو يقدر على الصلاة خلف التقيّ، لأنّ حلق اللّحية والإسبال حرام، فإن لم يجد سواه نصحَه وصلّى خلفه وصلاته صحيحة، وكذلك لا يصلي خلف مبتدع، وهو يقدر على الصّلاة خلف الإمام السنّي، فإن لم يقدر على أن يصلّي في جماعة إلاّ خلف المبتدع نصحه عسى أن يتخلّى عن بدعته، ويصلّي وراءه، ولا يدع الجمعة ولا الجماعة لكون الإمام فاسقاً أو مبتدعا ما دام أنّه مسلم، فإنّ حضور الجمعة والجماعات مصلحتها أعظم من مصلحة ترك الصّلاة خلف مثل هؤلاء، وقد كان الصّحابة رضي الله عنهم يصلّون خلف الأمراء الظّلمة، كما صلّى ابن عمر رضي الله عنه خلف الحجّاج، وما زال أهل العلم يصلّون خلف الأئمّة، فلا يعطّلون شعائر الإسلام بفجور الإمام أو بدعته.
وقد حُفِظ عن الحسن البصريّ رحمه الله قوله حين سئل عن الصّلاة خلف المبتدع: " صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ "، وكان يقول: " لا تضرّ المؤمنَ صلاتُه خلف المنافق، ولا تنفع المنافقَ صلاة المؤمن خلفَه "، وكان الشّافعي يُفتِي بذلك ويقول: " وإن كان غير محمود الحال في دينه ".
هذا فيمن كانت بدعته غير مكفّرة، أمّا من كانت بدعته شركيّة كمن يستغيث بالأموات أو يدعوَهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلّي وراءه لأنّه كافر وصلاته باطلة، ولا يصحّ أن يجعل إماما، والله أعلم.
السّؤال السّادس:
- هل من ملك ورقة مواقيت الصلاّة تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد كما تجب عليه عند سماع الأذان فإنّكم تعلمون عدم سماع الأذان في هذه الديّار، وما هي المسافة التي يجب بها حضور الجمعة، وما رأيكم فيمن تفوته الجمعة بحجّة العمل وأنّه عبادة؟
الجواب:
الضّابط في وجوب حضور الجماعة، هو أن يكون الشخص في مكان يَسمَعُ منه الأذان من مؤذِّن صيِّتٍ في وقت صحوٍ على ظهر المسجد دون مكبّر صوت عادةً، فمن وُجد في مثل هذا المكان وجب عليه حضور الجماعة، والورع والتّقوى يلعبان دورا كبيرا في تحديد ذلك، وليست العبرة بمن ملك ورقة مواقيت الصّلاة، ولا بالسّماع من مكبّر الصّوت، فقد يُسمعُ الأذان من مسافة بعيدة جدًا، وقد لا يَسمعُ الأذان من هو بجوار المسجد بسبب فتح المسجّل مثلاً، و الله أعلم.
¥