المصير؟ " (1) فهو إذن "يعرِّف نفسَه ويودّدها، بمخلوقاته -غير المحدودة- ذات الزينة والجمال .. ويُوجب الشكر والحمد له، بنعمه -التي لا تحصى- ذات اللذة والنفاسة .. ويشوّق الخلق إلى العبادة نحو ربوبيته؛ بعبوديةٍ تتسم بالحب والامتنان، والشكر إزاء هذه التربية، والإعاشة العامة، ذات الشفقة والحماية". (2)
فعلا ... إن الذي يشعر بالنعمة المسداة إليه يجد نفسه مطوقا بحقها في الشكر، ولكنها نعمة أكبر بكثير من أن تحصى أو تحصر. فكيف تشكر إذن؟ هنا يمتلك القلبَ الشعورُ بالعجز والذلة والخضوع التام، وتلك هي "لا إله إلا الله".
"الله" .. هذا الاسم الجميل كلمة تدل على الحياة العليا والنعمة الكبرى .. منه سبحانه نستمد الكينونة والحياة. وعطاؤه تعالى لا ينقطع أبدا، ولا يحصى عددا. أن تملأ قلبك بمعرفة الله، يعني أنك تملؤه بالحياة. أن تملأ قلبك بمعرفة الله، يعني أنك تملؤه بالحب. وأن تعبر عن ذلك كله، يعني أن تقول: "لا إله إلا الله"، أي لا مرغوب ولا مرهوب إلا الله، ولا محبوب إلا الله، ولا يملك عليك مجامع القلب والوجدان إلا الله .. هذا السيد الجميل، والملك الجليل، والرب العظيم الرحيم.
إن العبد المسكون بحقيقة "لا إله إلا الله" لا يملك إلا أن يتدفق منجرفا إلى الله .. تماما كما تتدفق الأنهار سارية وساربة إلى مالكها .. فأنى له إذن أن يتخلف إذا سمع داعي الله ينادي أنْ "حي على الصلاة"، أو "حي على الفلاح"؟!
طُيُوبُ الْحُبِّ إنْ مَسَّتْ فُؤادًا جَرِيحَ الْوجْدِ كَانَ لَهَا نُشُوبُ!
وَهَلْ فِي الْعَاشِقِينَ الْغُرِّ غُصْنٌ يُنَادِيهِ الْحَبِيبُ وَلاَ يُجِيبُ؟
يتخلف؟ كيف؟ والمسلم، إنما هو ذلك العبد الذي يحمل جمرة الشوق إلى الله .. يُسبغ الوضوء على المكاره، وينقل الخطى إلى المساجد يسري في الظُّلَم، ويسرب في الهجير، متقلبا بين حَرٍّ وقَرٍّ، ويجاهد في سبيل الله .. ينثر روحه أزهارا على الثرى، طمعا في رضى المحبوب، الذي تعلقت به القلوب. والمسلم هو ذلك العبد الذي فاض قلبه بحب الله؛ فلا تجد من سلوكه إلا مسكا، ولا ترى من خطوته إلا كياسة وفطنة، ولا يلقاك إلا بالكلمة الطيبة والسريرة الحسنة.
الإسلام، هذا الجمال الإلهي العالي، دين ليس كأي دين. لكن ... لو كان له ذوّاق ... ذلك هو "الإسلام" دين المحبة. وذلك هو المسلم السالك مَدارِجَ المحبين. وأنَّى لمن خفق قلبه بلمسة الحب أن يكون شريرا؟ الحب، هذا الشعور الفياض بالجمال، إذا خالط قلبا أحاله جداول من الإيمان واليقين. وامرؤ كان ذلك شأنَه لا يتصور فيه أن يؤذي أحدا أبدا، لأنه لا يملك من المواجيد في قلبه إلا الحب. وكل إناء يرشح بما فيه. إنه لا يملك إلا أن يملأ المكان بمواجيد المحبة، ورياحين الشوق في سيره الوجودي إلى الله.
للشيخ
أ. د. فريد الأنصاري
(*) جامعة مولاي إسمعيل، ورئيس المجلس العلمي بـ"مكناس" / المغرب
ـ[صخر]ــــــــ[22 - 06 - 08, 09:30 ص]ـ
العبادة، هي عنوان الجمال في الإسلام، وشعار المحبة. وإذا أحب الله الإنسان خاطبه بلفظ "عبدي" أو "عبادي" .. فنسبه إليه تعالى نسبة خصوص وإضافة.
والعبودية دالة على خضوع وانقياد، في غير سخط ولا إكراه، ولكنه خضوع المحب الرَّضِيِّ. ومن هنا لم تكن الأعمال لترتقي إلى مستوى العبادة حقيقة إلا إذا أدّاها العبد برضاه .. ولو كانت هذه الأعمال من أركان الإسلام، من صلاة وصيام وزكاة وحج. وقد ذكر العلماء أن الغني إذا امتنع عن أداء الزكاة، فقَوَّمَ السلطان عليه ماله وانتزع منه مقاديرها وصرفها في وجوهها، فإن ذلك يسقط عنه حقوق المستحقين، ولا يكلف بإعادة إخراجها بعد، ولكنه لا يسقط عنه حق الله؛ لأن حق الله في العمل إنما هو الشعور بالتعبد. وهو معنى الرضى والمحبة الذي يُخالط قلب العامل عند الدخول في عمله. ومن هنا كانت حقيقة العبادة شعورا وجدانيا قبل أن تكون أعمالا مادية، وكانت إحساسا بحب من يوجه إليه العمل وهو الله تعالى، لا "ضريبة" يؤديها المرء وهو كاره.
رغبة لا رهبة
¥