ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[25 - 06 - 08, 02:01 ص]ـ
ملخص كلام ابن تيمية السابق
الإيراد ولك أن تقول: (الشبهة):لا يسوغ الإنكار في مسائل الحيل لأنها مما اختلف فيها العلماء لاسيما على من رأى الدليل في جوازها أو كان متقيدا بمذهب من أجازها، وهم جماعة من الأئمة ومنزلتهم في العلم والفضل والدين لا تخفى
وعليه فلا إنكار فيها إلا أن يقال بقطعية المسألة، وهذا إن قيل فهو قدح في إمامتهم لمخالفتهم القواطع.
ثم إن هذا يفضي ذلك إلى المقابلة بمثله, أو بأكثر منه مما يوقع التفرق المنهي عنه, وإفساد ذات البين, فتصير مسائل الفقه من باب الأهواء، وأن السلف إنما كانوا يختلفون في المسائل الفرعية , مع بقاء الألفة والعصمة وصلاح ذات البين.
جواب ابن تيمية رحمه الله نلخصه في هذه النتائج:1 - تعوذ ابن تيمية مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض العلماء، ورجا أن يكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم ما لا يعرفه أكثر الأتباع.
2 - دين الإسلام إنما يتم بأمرين:
أحدهما: معرفة فضل الأئمة وحقوقهم.
والثاني: النصيحة لله سبحانه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم , وإبانة ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى.
3 - لا منافاة بين القسمين, وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين:
1 - رجل جاهل بمقاديرهم ومعاذيرهم.
2 - أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام.
4 - ذكر ابن تيمية رحمه الله أن المقصود يتلخص بوجوه خمسة:
الوجه الأول: أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة , وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور , بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين.
والواجب على من بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة: أن لا يحكيها لمن يتقلدها بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فما أكثر ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعة مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تقضي إلى ذلك لما التزمها , والشاهد يرى ما لا يرى الغائب , ومن علم فقه الأئمة وورعهم علم أنهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولا.
الوجه الثاني: أن الذين أفتوا من العلماء ببعض مسائل الحيل, أو أخذ ذلك من بعض قواعدهم لو بلغهم ما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لرجعوا عن ذلك يقينا, فإنهم كانوا في غاية الإنصاف , فكان أحدهم يرجع عن رأيه بدون ما في هذه القاعدة, وقد صرح به غير واحد منهم , وإن كانوا كلهم مجتمعين على ذلك.
ومن أصولهم: أن أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتشرة لا تترك إلا بمثلها.
الوجه الثالث: أن القول بتحريم الحيل قطعي ليس من مسائل الاجتهاد، وبينا إجماع الصحابة على المنع منها بكلام غليظ يخرجها من مسائل الاجتهاد, واتفاق السلف على أنها بدعة محدثة, وكل بدعة تخالف السنة وآثار الصحابة فإنها ضلالة.
وحينئذ:
1 - فلا يجوز تقليد من يفتي بها.
2 - ويجب نقض حكمه.
3 - ولا يجوز الدلالة لأحد من المقلدين على من يفتي بها.
مع جواز ذلك في مسائل الاجتهاد
وقولهم:
(مسائل الخلاف لا إنكار فيها)
ليس بصحيح فإن الإنكار:
1 - إما أن يتوجه إلى القول بالحكم.
2 - أو العمل.
أما الأول:
فإذا كان القول:
1 - يخالف سنة, أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا.
2 - وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول: المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء.
وأما العمل:
1 - فإذا كان على خلاف سنة, أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار.
2 - وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل بها مجتهدا, أو مقلدا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة:
أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس.
والصواب الذي عليه الأئمة:
أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا, مثل حديث صحيح لا معارض من جنسه فيسوغ له - إذا عدم ذلك فيها - الاجتهاد لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها.
وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف، وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها.
وبالجملة: من بلغه ما في هذا الباب من الأحاديث والآثار التي لا معارض لها فليس له عند الله عذر بتقليد من ينهاه عن تقليده.
ولو لم يكن في الباب أحاديث, فإن المؤمن يعلم بالاضطرار أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ممن يعلم هذه الحيل ويفتي بها هو ولا أصحابه, وأنها لا تليق بدين الله أصلا, وهذا القدر لا يحتاج إلى دليل أكثر من معرفة حقيقة الدين.
الوجه الرابع: أنا لو فرضنا أن الحيل من مسائل الاجتهاد فإنا إنما بينا الأدلة الدالة على تحريمها كما في سائر مسائل الاجتهاد , فأما جواز تقليد من يخالف فيها ويسوغ الخلاف فيها وغير ذلك فليس هذا من مواضع الكلام فيه, وليس الكلام في هذا مما يختص هذا الضرب من المسائل , فلا يحتاج إلى هذا التقرير أن يجيب عن السؤال بالكلية, وحينئذ فمن وضح له الحق وجب عليه اتباعه , ومن لم يتضح له الحق فحكمه حكم أمثاله في مثل هذه المسائل.
الوجه الخامس: أن المتأخرين أحدثوا حيلا لم يصح القول بها عن واحد من الأئمة ونسبوها إلى مذهب الشافعي , أو غيره , وهم مخطئون في نسبتها إليه على الوجه الذي يدعونه خطأ بينا.
نعم، الشافعي رضي الله عنه يجري العقود على ظاهر الأمر بها من غير سؤال المعاقد عن مقصوده.
أما أن الشافعي رضي الله عنه , أو من هو دونه يأمر الناس بالكذب والخداع بما لا حقيقة له، وبشيء يتيقن بأن باطنه خلاف ظاهره فما ينبغي أن يحكى هذا عن مثل هؤلاء؛ فإن هذا ليس في كتبهم , وإنما غايته أن يؤخذ من قاعدتهم، فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها.
وقد كان بين الأئمة من أصحاب الشافعي من ينكرون على من يحكي عنه الإفتاء بالحيل.