تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحكى ابن منصور أيضا عن إسحاق بن راهويه أنه قال بنحو قول أحمد (12)؛ وذكر ابن منصور في موضع آخر من مسائله أن إسحاق قال: " وأما المصلي وحده وهو ينظر في المصحف أو يقلب الورق له، وكل ما كان من ذلك حين إرادة أن يختم القرآن، أو يؤم قوما ليسوا ممن يقرؤون فهو سنة، كان أهل العلم عليه، وقد فعلته عائشة-رضي الله عنها-، ومن بعدها من التابعين اقتدوا بفعالها، ولم يجئ ضده عن أهل العلم، وإن قلّب له الورق كان أفضل، وإن يكن له قلب هو لنفسه " (13).

وظاهر من كلام إسحاق المتقدم أن من أهل العلم من يفرق في مسألة جواز القراءة من المصحف في الصلاة بين حال الانفراد، وبين حال إمامة الجماعة، فيجوزها في الأول، ويمنعها في الثاني، إلا أن تكون الجماعة أمية ليس فيها من يقرأ.

واختار جمع من أهل العلم القول بقصر جواز القراءة من المصحف في الصلاة على صلاة النفل خاصة، وهو أشهر الروايتين عن الإمام مالك (14)، ورواية ثانية عن الإمام أحمد؛ قال أبو يعلى في " المجرد ": إن قرأ في التطوع في المصحف لم تبطل صلاته، وإن فعل ذلك في الفريضة فهل يجوز؟

على روايتين.

وقال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو يقرأ في المصحف، قيل له: الفريضة؟ قال: لم أسمع فيها بشيء (15).

إلا أن الإمام مالكا وأصحابه قد قيدوا القراءة بالمصحف في النفل بما كان في أول الصلاة، لا في أثنائها، لكثرة الشغل في ذلك، ولأنه يغتفر في النفل ما لا يغتفر في الفرض (16).

وقيده قوم بما إذا تعايا في صلاته، فعن جرير بن حازم قال: " رأيت محمد بن سيرين متربعا والمصحف إلى جنبه، فإذا تعايا في شيء، أخذه فنظر فيه ".

وعن هشام عن محمد بن سيرين مثله، وفي لفظ: " كان محمد ينشر المصحف فيضعه في جانبه، فإذا شك في شيء نظر فيه وهو في صلاة التطوع ".

وفي رواية: " أنه دخل على ابن سيرين وهو يصلي قاعدا يقرأ في المصحف " (17).

وخص قوم الترخيص في حق من كان حافظا، وهو مروي عن الإمامين أبي حنيفة وأحمد، لأنه إذا لم يكن حافظا، وقرأ في المصحف كان كالمعتمد على غيره في صلاته، وكان بمثابة من يلقن القرآن تلقينا (18).

واشترط فريق من أهل العلم عكس المسألة الأولى، فجوزوا القراءة من المصحف في الصلاة لغير الحافظ، وكرهوا ذلك للحافظ، وقالوا: يردد ما معه من القرآن، ولا ينظر في المصحف (19).

وهو محكي عن جمع من السلف، فعن قتادة عن سعيد بن المسيب: أنه كان يكره أن يقرأ الرجل في المصحف في صلاته، إذا كان معه ما يقوم به ليله، وقال: يكرر أحب إلي.

ومثله عن الحسن البصري (20)، وهو قول عند أصحاب أبي حنيفة على ما ذكره العيني (21)، وهو اختيار القاضي أبي يعلى من أصحابنا الحنابلة (22).

ونقل عن أبي حنيفة التفريق بين من يحمل المصحف في صلاته ليقرأ فيه، وبين من كان المصحف منشورا بين يديه يقرأ فيه من غير حمل، فرخص له في الثانية دون الأولى (23).

** المانعون:

وذهب جمع من أهل العلم إلى القول بمنع القراءة من المصحف في الصلاة مطلقا، ثم اختلفوا في درجة هذا المنع، وأثر القراءة من المصحف في الصلاة على صحتها، فقالت طائفة بالكراهة مع الصحة، وبالغت طائفة أخرى فأبطلت الصلاة إذا قرأ المصلي فيها من المصحف.

وقد ذهب إلى القول بكراهة القراءة من المصحف في الصلاة جمع من علماء السلف والخلف، وهو محكي عن عمر بن الخطاب وابن عباس –رضي الله عنهم- وسويد بن حنظلة البكري، ومجاهد، والحسن البصري في رواية عنه، والنخعي، وابن المسيب، وأبي عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وسفيان، والليث، والربيع، والحكم، وحماد (24)، وهو محكي عن الأئمة أبي حنيفة (25)، ومالك (26)، والشافعي (27)، وأحمد (28) في روايات عنهم، إلا أن الحكاية عن الشافعي في هذا الشأن قد تفرد بها ابن حزم، وقد أنكرها بعض المحققين.

والقول بكراهة القراءة من المصحف في الصلاة محكي عن أبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير