فالمتشابه الواقع في النصوص على ضربين: أولهما: حقيقي، وهو الذي ليس للناس سبيل إلى فهم معناه حتى أهل العلم، ككيفيات صفات الله عز وجل، وثانيهما: إضافي، وهو ما صار متشابها بالنسبة إلى الناظر في النص، وإلا فالنص نفسه غير متشابه في حقيقة الأمر، وهذا هو المقصود هنا.
ومردّ التشابه هذا إما أن يكون إلى تقصير الناظر في الاجتهاد والنظر إلى النصوص، وإما أن يكون إلى زيغان الناظر باتباعه الهوى. والواجب نحو هذا النوع أن يرد إلى عالمه، والعالم عليه أن يرد المتشابه إلى المحكم. ولخطورة اتباع المتشابه كان السلف رحمهم الله يردعون متبعه ويؤدبونه تأديبا بالغاً؛ لكون هذا يؤدي إلى الانحراف عن الحق. ولقد سلك بعض دعاة فقه التيسير هذا المسلك فأخذوا به في مجالات متعددة، نكتفي هنا بذكر مثال واحد عليها:
سفر المرأة بغير محرم: فد وردت أدلة واضحة صريحة تدل على تحريم سفر المرأة بغير محرم، من ذلك حديث ابن عباس ر قال: قال رسول الله ص: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " [14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn14) ، وهناك أدلة أخرى قائمة على ذلك، ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ساق هذه الأدلة، يقول: (وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك). ومع هذا نجد أن بعضهم أجاز سفر المرأة بغير محرم مستدلين بقوله ص: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تقدم البيت لا زوج معها " [15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn15) ، وهذا الحديث إنما سيق فيه ما سيق مدحاً لظهور الإسلام وانتشار الأمان في الأرض، ولم يسق لموضوع السفر ونحوه، وهو حكاية للواقع الذي يجري ولا يلزم إقرار النبي ص له أو محبته ورضاه به، مثل ما أخبر به من أحاديث الفتن والهرج والقتل ونحو ذلك.
خامساً / تعميم قاعدة عموم البلوى في التخفيف:
وعموم البلوى هو شيوع البلاء بحيث يصعب على المرء التخلص منه والابتعاد عنه، إلا أنه ليس كل ما عمت به البلوى يجلب التيسير والتخفيف، فهناك شروط وضوابط لاعتبار عموم البلوى سبباً للتيسير وهي:
1 - أن يكون عموم البلوى متحققا لا متوهما، بحيث يعسر الاحتراز منه ويكون وقوعه عاما لجميع المكلفين وشاملا لهم.
2 - أن يكون عموم البلوى من طبيعة الشيء وحاله، لا أن يكون ناشئاً من تساهل المكلف في التلبس يذلك الشيء.
3 - أن لا يدخل المكلف في الحادثة التي تعمّ بها البلوى بقصد حصول الرخصة.
4 - أن يكون الترخص في حال عموم البلوى مقيدا بتلك الحال، ويزول بزوالها.
سادساً / جعل الخلاف دليلاً:
فقد اتخذ كثير من دعاة منهج التيسير المعاصر من الخلاف توسعة على الناس، بمعنى أنه يسع كل واحد أن يأخذ بما شاء من الأقوال، وأصبحنا نسمع ونقرأ بكثرة: (المسألة فيها خلاف فلا حرج عليك). وهذا غير صحيح فالخلاف يعد توسعة في مجال الاجتهاد ووجوده يدل على أن الأمر معروض للنقاش والترجيح لا على أن الناس لهم أن يأخذوا بقول أي واحد منهم وإن لم يكن الحق عنده.
والمتخيّر بين الأقوال المختلفة بمجرد موافقة الغرض الذي في نفسه لا يخلو من ثلاث حالات:
1 - إما أن يكون حاكماً بهذا القول، فلا يصح اختياره على الإطلاق؛ لأنه إن كان متخيرا بلا دليل فلا حق لأحد الخصمين على التالي، لأن هذا لن يخلو من الحيف على الطرف الثاني.
2 - وإما أن يكون مفتيا به، فهذا قد أفتى في النازلة بالإباحة وإطلاق العنان، وهو قول ثالث خارج عن القولين، وهذا لا يجوز له إن لم يبلغ درجة الاجتهاد باتفاق.
3 - وإما أن يكون عاميا، فهو قد استند إلى شهوته وهواه، واتباع الهوى عين مخالفة الشرع.
cdcdcdcdcd
أسباب ظهور منهج التيسير المعاصر
والأسباب الداعية لظهور هذا المنهج كثير متعددة، نكتفي هنا بذكر بعض منها:
أولاً / الجهل بأحكام الشريعة ومقاصدها:
وهذا السبب يدور حول ثلاث محاور:
¥