ـ[ابن الريان]ــــــــ[14 - 03 - 03, 04:14 م]ـ
< CENTER>
( الدبغ)
( ص69) الدبغ
هو تنظيف الأذى والقذر الذي كان في الجلد بواسطة مواد تضاف إلى الماء.
فإن كانت الميتة طاهرة فإن جلدها طاهر، وإن كانت نجسةً فجلدها نجس.
ومن أمثلة الطاهرة السمك لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: صيده ما أخذ حياً، وطعامه ما أخذ ميتاً، فجلدها طاهر.
أما ما ينجس بالموت فإن جلده ينجس بالموت (ص70) لقوله تعالى: {إلاَّ أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} أي: نجس، فهو داخل في عموم الميتة.
فإن قيل:
إن الميتة حرام، ولا يلزم من التحريم النجاسة؟
فالجواب:
أن القاعدة صحيحة، ولهذا السم حرام وليس بنجس، والخمر حرام وليس بنجس على القول الراجح، ولكن الله لمَّا قال: {قل لا أجد فيما أُوحي إلي محرماً على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس} علل ذلك بقوله رجس، فإذاً الميتة نجسة، وجلدها نجس لكنه يطهر بالدبغ لحديث ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بشاة يجرونها فقال: هلاَّ أخذتم إيهابها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: يطهرها الماء والقَرَظُ)، وهذا صريح في أنه يطهر بالدبغ.
(ص71) فإن قيل:
هذا الحديث منسوخ بما يُروى عن عبدالله بن عُكَيْم رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلينا قبل وفاته بشهر لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب).
فالجواب على ذلك:
أولاً: أن هذا الحديث ضعيف، فلا يقابل ما في صحيح مسلم (363) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ثانياً: أنه ليس بناسخ، لأننا لا ندري هل قضية الشاة في حديث ميمونة رضي الله عنها قبل أن يموت بشهر أو قبل أن يموت بأيام؟! ومن شروط القول بالنسخ العلم بالتأريخ.
ثالثاً: أنه لو ثبت أنه متأخر، فإنه لا يعارض حديث ميمونة رضي الله عنها لأن قوله: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) يُحمل على الإهاب قبل الدبغ، وحينئذٍ (ص72) يجمع بينه وبين حديث ميمونة رضي الله عنها.
فإن قيل:
كيف تقولون لو دبغت الكبد ما طهرت، ولو دبغ الجلد طهر؟ وكلها أجزاء ميتة، ونحن نعرف أن الشريعة الحكيمة لا يمكن أن تفرق بين متماثلين؟
فالجواب على هذا من وجهين:-
الأول: أنه متى ثبت الفرق في الكتاب والسنة بين شبئين متشابهين، فاعلم أن هناك فرقاً في المعنى ولكنك لم تتوصل إليه لأن إحاطتك بقدرة الله غير ممكنة، فموقفك حينئذٍ التسليم.
الثاني: أنه يمكن الفرق بين الشحم واللحم وبين الجلد، فإن حلول الحياة فيما كان داخل الجلد أشدَّ من حلوله في الجلد نفسه، لأن الجلد فيه نوع من الصلابة بخلاف اللحوم والشحوم والأمعاء، وما كان داخله فإنه ليس مثله، فلا يكون فيه من الخبث الذي من أجله صارت الميتة حراماً ونجسة.
ولهذا نقول: إن جلد الميتة يُعْطَى حكماً بين حكمين:-
الحكم الأول: أن ما كان داخل الجلد من اللحم والشحم والأمعاء وغيره لا يطهر بالدباغ.
الحكم الثاني: أن ما كان خارج الجلد من الوبر والشعر فإنه طاهر.
والجلد بينهما، ولهذا أُعطي حكماً بينهما.
وبهذا نعرف سمو الشريعة، وأنها لا يمكن أن تفرق بين متماثلين ولا أن تجمع بين مختلفين، وأن طهارة الجلد بعد الدبغ من الحكمة العظيمة ونجاسته بالموت من الحكمة العظيمة، لأنه ليس كالشعر والوبر وليس كاللحم والشحم والأمعاء.
ـ[ابن الريان]ــــــــ[15 - 03 - 03, 09:26 م]ـ
< CENTER>
((( مسائل)))
(( مسألة))
( ص73) جلد الميتة يطهر بالدباغ ويباح استعماله في الرطب واليابس، ويدل لذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة، وذبائح المشركين نجسة، وهذا يدل على إباحة استعماله في الرطب لأنه يكون طاهراً.
وما كان في يابس والجلد يابس فإنه لا يتنجس به، لأن النجاسة لا يتعدى حكمها إلا إذا تعدى أثرها، فإن لم يتعد أثرها فإن حكمها لا يتعدى.
(ص74) ويشترط في جلد الميتة الذي يطهر بالدباغ أن تكون الميتة مما تحله الذكاة، وأما ما لا تحله الذكاة فإنه لا يطهر، وهذا القول هو الراجح (ص75) بدليل أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث: (دباغها ذكاتها) فعبَّر بالذكاة، ومعلوم أن الذكاة لا تُطهِّر إلاَّ ما يباح أكله، فلو أنك ذبحت حماراً وذكرت اسم الله عليه وأنهر الدم فإنه لا يُسمى ذكاة.
وعلى هذا نقول: جلد ما يحرم أكله ولو كان طاهراً في الحياة فإنه لا يطهر بالدباغ، (ص74) فجلد الهرة وما دونها في الخلقة لا يطهر بالدبغ.
(ص75) والتعليل: أن الحيوان الطاهر في الحياة إنما جعل طاهراً لمشقة التحرز منه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنها من الطوافين عليكم) وهذه العلة تنتفي بالموت، وعلى هذا يعود إلى أصله وهو النجاسة، فلا يطهر بالدباغ.
فيكون القول الراجح: أن كل حيوان مات وهو يُؤكل فإن جلده يطهر بالدباغ، وهو أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(( مسألة))
( ص76) لبن الميتة نجس وإن لم يتغير بها، والدليل عموم قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} واللبن في الضرع داخل في هذا العموم.
¥