مسلم مصري مقاتلين يهود لسبهم إياه , فأقامت دولة يهود الدنيا لأجل هؤلاء فسجن
هذا المصري و مات في سجنه حسب ما أعلنت السلطات المصرية آن ذاك.
المبحث الثاني: قتل المسلم بالذمي.
إذا قتل مسلم ذميا خطأ أو شبه عمد فلا يوجب ذلك قودا لأن القود لا يجب إلا في قتل
العمد (5). أما إذا قتله عمدا عدوانا ففيه ثلاثة مذاهب لأهل العلم.
المذهب الأول:-
لا يجوز قتل المسلم بالكافر أبدا (6).و هذا مذهب الشافعية. و الحنابلة (7) و بعض
المالكية (8) و هو مذهب ابن حزم الظاهري.
المذهب الثاني:-
ذهب الحنفية إلى أن المسلم يقتل بالذمي إذا قتله (9).
ــــــــــــــ
(1) سورة التوبة [29].
(2) سورة التوبة [5].
(3) بداية المجتهد 8/ 425.
(4) الإقناع للشربيني 4/ 402.
(5) بداية المجتهد لابن رشد 8/ 413.
(6) الحاوي للماوردي 12/ 14.
(7) المغنى للموفق 11/ 3.و شرح الزركشي 6/ 63.
(8) الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البرصـ587.
(9) بدائع الصانع للكاساني7/ 233.
ــــــــــــــــــــ
المذهب الثالث:-
لا يقتل المسلم بالكافر إلا إذا قتله غيلة** (1).
سبب الخلاف: هو تعارض عموم الآيات الآمرة بالقصاص مع عموم الآيات التي تجعل
المؤمن أفضل من الكافر و قياس الذمي على الحربي أو عدم صحة قياسه عليه. وكذلك
النزاع في ثبوتالحديث العاضد لعموم الآيات الموجبة للقصاص بين الدماء دون النظر
إلى الأديان. و الأدلة كما يلي:-
أولا: دليل المذهب الأول:-
الدليل الأول:قوله تعالى: (لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنة) (2) ,و قوله: (
أفنجعل المسلمين كالمجرمين) (3).
وجه الدلالة:أنه نفى التساوي بين الكفار و بين المسلمين , فنفي التساوي يدل على عدم
استواء نفوسهما و عدم تكافؤ دمائهما (4).
الدليل الثاني: قال تعالى: (و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (5).
وجه الدلالة: أن كلمة (سبيلا) نكرة في سياق النفي , فتعم كل سبيل فلا يجوز أن يكون
للكافر على المسلم سبيل إلى نفسه و دمه.
الدليل الثالث: من السنة النبوية حديث أبي جحيفة قال: قلت لعلي – رضي الله عنه - هل
عندكم كتاب؟ قال: لا , إلا كتاب الله , أو فهم أعطيه رجل مسلم , أو ما في هذه الصحيفة
. قال قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل , و فكاك الأسير , و لا يقتل مسلم
بكافر (6).
وجه الدلالة: أن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ذكر أن مما عندهم مكتوب عن رسول
الله – صلى الله عليه و سلم – كما توضحه الروايات الأخرى (7). و من ذلك , أن لا يقتل
مسلم بكافر. و فيه وجهين , الأول: قوله (مسلم) نكره في سياق النهي فيعم كل مسلم.
والثاني: مثله (كافر) نكره في سياق النهي فتعم كل كافر فكأنه قال: [لا تقتل أي مسلم
قتل أي كافر سواء كان ذميا , أو معاهدا , أو مستأمنا , أو حربيا.
ــــــــــ
(1) الكافي لابن عبد البر و المعونة للقاضي عبد الوهاب 2/ 1065. و بداية المجتهد
لابن رشد 8/ 424.
(2) سورة الحشر [20].
(3) سورة القلم [35].
(4) الحاوي للماوردي 12/ 11.
(5) سورة النساء [141].
(6) رواه البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم.
(7) انظر فتح الباري للحافظ ابن حجر 1/ 246.
**الغيلة:أي غدر و خديعة على حين غفلة من المقتول.انظر حدود ابن عرفة 2/ 675. و انظر
شرح الزرقاني على الموطأ 4/ 236،248.
الدليل الرابع:روى قيس بن عباد قال: \" انطلقت أنا و الأشتر إلى علي – رضي الله عنه –
فقلنا: هل عهد إليك رسول الله –صلى الله عليه و سلم – شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟
فقال: لا , إلا ما في كتابي هذا. فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه , المسلمون
تتكافأ دماؤهم و هم يد على من سواهم و يسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مسلم بكافر و
لا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه. و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة
الله و الملائكة و الناس أجمعين.\" (1)
وجه الدلالة: ما ذكر في الحديث الذي قبله من النفي أن يقتل مسلم بكافر و فيه وجه آخر
أيضا: أنه قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم)، فدل بمفهوم المخالفة أن غير المسلمين لا
تكافئ دماؤهم دماء المسلمين و عليه فلا يصح الاقتياد للكافر من المسلم.
و لكن اعترض الحنيفية على هذا من وجهين:-
الأول: أنهم لا يحتجون بمفهوم المخالفة.
¥