الثاني: أنه قوله (و لا ذو عهد في عهده) معطوف على (لا يقتل مسلم بكافر) فيكون
المعنى لا يقتل ذو عهد في عهده بكافر فوجب تقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي أو مستأمن
جمعا بين هذا الحديث و بين غيره كما سيأتي (2).
و أجيب عن هذا الاعتراض من وجوه:-
الأول: بأن النبي – صلى الله عليه و سلم – ندبنا إلى قتل المحاربين فلم يتكلف بعد ذلك
و يقول أنه لا قود علينا بهم (3).
الثاني: أن لفظ الحديث (لا يقتل مسلم بكافر) عام في كل الكفار كما تقدم فلم يجز أن
يخصص بإضمار أو تأويل إذ فيه تكلف و تحميل للكلام ما لا يحتمل.
الثالث: أن المعروف من كلام النحاة أن المعطوف و المعطوف عليه لا يجب أن يشتركا في كل
شئ بل في الحكم الذي لأجله تعاطفا و هو القتل هنا، فكان المعنى (و لا يقتل ذو عهد في
عهده بكافر حربي) لإجماعهم أنه إذا قتل كافرا معاهدا مثله فإنه يقتل به.
الرابع: أن ما صنعه الحنفية إنما هو مفهوم الصفة و الحنفية لا يقولون به.
ــــــــــــــــــــ
(1) رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 149، برقم 992. و أبو داود من طريقه كتاب الديات باب
أيقاد المسلم من الكافر.
(2) بدائع الصانع للكاساني 7/ 237.
(3) المحلى لابن حزم 10/ 232.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدليل الخامس:من المعقول: أن الذمي كافر و الكفر نقص فلا يقتل به المسلم كالمستأمن
(1).
الدليل السادس:من المعقول أيضا , هو قياس الكافر الذمي على الحربي و المستأمن، لأن
الله سوى بينهما في عدم جواز موالاتهم و أنهم في النار و حكم أن لا يرث المسلم من أحد
منهم و العكس فإلحاقه بالحربي و المستأمن أقرب و أولى (2).
ثانيا: أدالة المذهب الثاني:-
استدل الحنفية و من وافقهم من المعقول و المنقول من الكتاب و السنة، و الأدلة
كما يلي:-
الدليل الأول:قوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و
الأنثى بالأنثى) (3). و قوله تعالى: (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) (4).
وجه الدلالة:أنه لم يفصل بين قتيل و آخر فكل من قتل وجب أن يقتص منه (5). أجيب عنه من
عدة أوجه: الأول:أنها مخصوصة بحديث (لا يقتل مسلم بكافر) (6).
الثاني:أنها في حق المؤمنين لأنه سبحانه وتعالى قال في أولها: (يا أيها الذين آمنوا
كتب عليكم القصاص في القتلى).
الثالث: كما أنه قال في آخرها: (فمن عفي له من أخيه شئ). و باتفاق أن المسلم ليس أخا
للكافر. فسقط الاستدلال بالآية.
الرابع:أن آية المائدة في شرع من قبلنا و قد ورد في شرعنا ما يعارضه. فلم يصح
الاستدلال به.
الدليل الثاني:قوله تعالى: (و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) (7).
وجه الدلالة:أن (مظلوما) نكرة في سياق الشرط فتعم كل من قتل ظلما كافرا كان أو غيره
، فلوليه سلطان على من قتله و ذلك بأن يقتص ممن قتله (8).و أجيب على هذا الدليل (9):-
الجواب الأول:إن الآية في المؤمنين دون غيرهم بدليل أن الكافر ليس له سبيل على المؤمن
كما قال سبحانه و تعالى: (و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (10).بل إن
الله تعالى لم يجعل للكافر سلطانا على المسلمين بل جعل لهم الذلة و الصغار، قال تعالى
: (حتى يعطوا الجزية و هم صاغرون) (11).
ـــــــــــــ
(1) المغني للموفق 11/ 466.
(2) حاشية الروض لابن قاسم 7/ 190.
(3) سورة البقرة [178]. (4) سورة
المائدة [45].
(5) بدائع الصانع للكاساني 7/ 237 (6) سبق
تخريجه.
(7) سورة الإسراء [33].
(8) بدائع الصانع للكاساني 7/ 237.
(9) المحلى لابن حزم 10/ 233. (10) سورة
النساء [141].
(11) سورة التوبة [29].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الثاني:أن ما ذكروا لو صح لهم فهو مخصوص بالحديث السابق.
الدليل الثالث:قوله تعالى: (و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) (1).
وجه الدلالة:أن المعنى من إيجاب القصاص هو حفظ النفوس و هذا أبلغ فيما إذا أوجب القود
للكافر من المسلم لأن مبررات قتله أكثر و هو اختلاف الدين فالحاجة إلى الزاجر أكبر فكان
شرع القصاص فيه معنى الحياة أبلغ. و أجيب عن ذلك:-
الجواب الأول:أن الخطاب لأولي الألباب و لا شك أن الكفار ليسوا من أولي الألباب و لو
كانوا كذلك لدخلوا في الإسلام.
¥