أخرج الدارمي في سننه (2/ 345) عن المسيب بن رافع عن عبدالله بن مسعود t , قال: (كان يقول: ما كان الله ليراني أفضل أما على أب) , وأخرج الحاكم في المستدرك نحوه (4/ 336) , إلا أنه جاءت لفظة (جد) بدل (أب) , ثم قال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
وبمثل ذلك تثبت نسبة هذا القول إلى عبدالله بن مسعود t , ولا سيما أن ابن كثير رحمه الله قد جزم بنسبته إليه في تفسيره (2/ 227).
وكأن ابن حزم رحمه الله متردد في تضعيف نسبته إلى عبدالله بن مسعود t , حيث أعاد ذكره عند كلامه في إمكانية تأويله بما يوافق مذهب ابن سيرين رحمه الله.
3 - تأويل ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم.
إن محاولة ابن حزم رحمه الله لصرف ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم إلى موافقة رأي ابن سيرين رحمه الله لا تستقيم مع مقتضى الآثار المروية عنهم , والتي تفيد ثبوت ما نسب إليهم من إعطاء الأم ثلث ما بقي في مسألة الزوجة فضلا عن مسألة الزوج , ومن ذلك:
ما رواه الحاكم في المستدرك (4/ 335) عن عبدالله بن مسعود t , قال: (أن عمر أتي في امرأة وأبوين فجعل للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي) , وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " , وأخرج الدارمي في سننه (2/ 344) , البيهقي في السنن الكبرى (6/ 228) نحوه و ولكن بزيادة في أوله: (كان عمر t إذا سلك بنا طريقا وجدناه سهلا) , وزاد البيهقي في رواية أخرى في آخره: (وما بقي للأب) , وفي رواية أخرى: (وأعطى الأب سهمين) , وبنحوه الدارمي في سننه (2/ 245).
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/ 228) عن إبراهيم عن عمر وعبدالله في امرأة وأبوين: (للأم ثلث ما بقي).
أخرج الدارمي في سننه (2/ 344) عن أب قلابة عن أبي المهلب: (أن عثمان بن عفان قال في امرأة وأبوين: للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي) , وفي رواية أخرى عنده أنه قال: (للمرأة سهم من أربعة , وللأم ثلث ما بقي , وللأب سهمان) , وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (2/ 228) نحوه.
هذا آخر الرد على أدلة ابن حزم رحمه الله في نصرة مذهب ابن عباس t في المسألة العمرية , والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الهوامش
(1) المغني لابن قدامة المقدسي (9/ 23).
(2) ينظر العذب الفائض (1/ 55).
(3) ينظر في ذلك: ص (106 – 109) من مقدمة محقق كتاب " الإشارة في معرفة الأصول " للإمام أبو الوليد الباجي , تحقيق الدكتور محمد علي فركوس , الطبعة الأولى , دار البشائر الإسلامية – بيروت , 1416هـ/1996م.
(4) ينظر إعلام الموقعين (1/ 361) , والذخيرة للقرافي (13/ 57) , والعذب الفائض للشيخ إبراهيم الفرضي (1/ 55).
(5) ينظر أحكام القرآن للعلامة ابن العربي (1/ 334).
(6) إعلام الموقعين (1/ 363) , والذخيرة (13/ 57).
(7) تفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 518).
(8) ينظر نسبة الأقوال في: المغني (9/ 23) , وتفسير ابن كثير (2/ 227) , والمحلى لابن حزم (10/ 152) , معالم السنن للخطابي (4/ 84) , وجامع العلوم والحكم لابن رجب ص (427).
(9) وسميت بذلك: لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أول من قضى فيها للأم بثلث الباقي , وتلقب أيضا بالغراوين لشهرتهما كالكوكب الأغر , أي: المضيء , وبالغريمتين؛ لأن كلا من الزوجين كالغريم صاحب الدين والأبوين كالورثة يأخذان ما فضل بحسب ميراثهما , وبالغربيتين لغرابتهما بين مسائل الفرائض , أي: عدم النظير. ينظر العذب الفائض (1/ 55).
(10) من الآية (11) من سورة النساء.
(11) ينظر تفسير " روح المعاني " للعلامة الألوسي (3/ 225).
(12) الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (31/ 344).
(13) ينظر القبس في شرح الموطأ للإمام ابن العربي (3/ 1040) , وتفسير " روح المعاني " (3/ 225).
(14) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 242 – 243) , والبيهقي في السنن الكبرى في كتاب الفرائض , باب فرض الأم (6/ 288) , وبن حزم في المحلى (10/ 153) , وقال الألباني في إرواء الغليل (6/ 124): (وهذا صحيح على شرط البخاري).
¥