· ولما هو معلومٌ من لزوم التكفير في كثير من العبادات اللازمة، وعادة الشارع التكفير بالشيء من جنسه، أما وقد وقع هذا في الحج نفسه كما هو حاصلٌ في فدية الأذى، وكما حصل أيضاً في من أحصر عن البيت الحرام، ناهيك عما جاء في وصف أعمال الحج بالنذور التي يجب على الحاج أن يوفي بها في محلها، ومنها الدماء.
فإن فتوى ابن عباس بناء على كل ما سبق:
نجد أنها تؤيدها الأصول القريبة في الحج، فمن تعمد الإخلال بشيء من أنساك الحج وفاته تداركه فإن أقل ما يمكن عمله هو تقريب الدم إليه سبحانه، فإلزام الدم بذلك رحمة له وسعة، بل إن حكمه للمحرم قريب وهو الاستحباب لعموم الحاج، بل واستحباب تعدده، وإنما ارتقى هنا إلى الوجوب نظراً إلى الخلل الحاصل في حجه.
يقول سبحانه:
o { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}
o { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}
o { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}
فكيف وقد جاء في النص نظيره في فدية الأذى وفي المحصر، وكان لازما للمتمتع والقارن.
فكيف وقد شاركه في فتواه هذه ابن عمر رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة.
كيف قد انعقدت فتاوى أهل الإسلام على ذلك، ودونت بها مصنفاتهم، وإنما حصل الخلاف بأخرة، وهو لا يضر لأنه خلافٌ لم يقع في محل صالح، فقد سبقه الإجماع وانفضَّ أهلُه.
كيف وقد سلَّم أشهر من نازع في الوجوب من المعاصرين وهو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن أحوال الناس لا تنضبط إلا به، فأعمله سياسةً، وإن نازعه دلالة.
يقول محمد محمد بن جرير الطبري في تهذيب الآثار من مسند بن عباس [السفر الأول ص229]:
(من قدم شيئاً من نسكحجه أو أخره فلا حرج عليه ولا فدية ولا جزاء
وذلك أن الفدية والجزاء في النسك إنما هو:
عوض من تقصير في واجب وتضييع للازم قد فات عمله وخرج بتضييعه وأثم بتقصيره. وفي إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه لا حرج عليه فيما فعل من ذلك ولا فدية إذكان من زال عنه الحرج زائلاً عنه البدل الذي كان لازماً له أو كان حرجاً وهي الفديةوالكفارة والجزاء.)
تنبيه:
هذا الحكم يبقى من حيث الجملة، وهو تحصيل مقدار متفق عليه، ويبقى ما عداه من حيث التفصيل محل اجتهاد ونظر ..
المصدر ( http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?p=9804#post9804)
ـ[حارث همام]ــــــــ[04 - 12 - 08, 06:16 م]ـ
العجيب أن عطاء رحمه الله يلزم بالدم فيما قد يراه سنة! ومن ذلك إيجابه دماً على من ترك السعي وهو عنده ندب.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[04 - 12 - 08, 06:57 م]ـ
العجيب أن عطاء رحمه الله يلزم بالدم فيما قد يراه سنة! ومن ذلك إيجابه دماً على من ترك السعي وهو عنده ندب.
لعل فيما سأنقله الآن في نهاية هذا البحث إجابة عن هذا السؤال المهم، وليتك تنقل قول عطاء حتى نجعله إضافة في الموضوع.
تفصيل محل لزوم الدم لمن أخل بالنسك
نصت المذاهب الفقهية الأربعة:
على أن من ترك واجباً في الحج فإن عليه دماً ()،
وقيدوا ذلك:
بما لم يمكن تداركه مثل فوات زمن الواجب، أما إذا أمكن تداركه فإن الواجب هو أداء هذا الواجب ()، أو إعادته إذا أداه ناقصاً، وبناء على ما سبق فلا يتصور أن يفوته السعي؛ لأنه متى ما علم أو تذكر أو قدر سعى، إلا أن بعض أهل العلم استثنوا مما يمكن تداركه ما لو رجع إلى أهله فإنه يجزئ عنه الدم وقتئذ. ()
ثم حصل بين أهل العلم نزاع وخوضٌ:
في من فاته الواجب لعذر كإحصارٍ عن واجب، أو مراهق ()، أو عجزٍ، أو غير ذلك ... فاختلفوا هل يسقط هذا العذرُ الدمَ، أم أن العذر يرفع المؤاخذة فحسب، ويلزم المعذورَ بدلُ الواجب وهو الدم؛ لأن الواجب لا يسقط إذا كان له بدل.
¥