وهاتان الصفتان دلّ عليهما:
حديث عبد الله بن زيد، وفيه:
ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم:
ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر.
3 – أن يمسح كل جهة لوحدها.
ويدل عليه حديث الرُّبَيِّع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها، فمسح الرأس كله من قرن الشعر، كل ناحية بمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته. رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن.
قال القرطبي: ورُويَتْ هذه الصفة عن ابن عمر وأنه كان يبدأ من وسط رأسه.
وهذه الصفة هي الأنسب للمرأة، ولهذا – والله أعلم – مسح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المسح أمام المرأة ولم يمسحه أمام الرِّجال الذين نقلوا صِفة وضوئه.
قال الشيخ رحمه الله:
ثُمَّ يَدْخُلَ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ , وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا.
الشَّرح:
السَّبَّاحَّة: هي الأصبع السَّبّابَة، وسُمِّيَت سباحة لأنه يُتشهّد بها ويُشار بها في التّسبيح.
والصِّماخ: هو فتحة الأذن، أو ثُقب الأذن.
وفي حديث الرُّبيِّع رضي الله عنها: " فأدخل إصبعيه في جُحري أذنيه ". رواه أبو داود.
والمراد أنه أدخل أصبعه التي تلي الإبهام في يده اليمنى في أذنه اليمنى، واليسرى في اليسرى.
وهذا يُجزئ في مسح الأذن، إلا أن من السنة أن يَمسح ظاهر أذنيه.
وكيف يكون مسح الأذنين؟
في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعاً:
" فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه ". رواه أبو داود وابن ماجه.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه داخلهما بالسبابتين، وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه، فمسح ظاهرهما وباطنهما. رواه أبو داود وابن ماجه.
وهل يأخذ لأذنيه ماء جديداً؟
في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: " ومسح برأسه بماء غير فضل يده ".
قال الشيخ رحمه الله:
ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ اَلْكَعْبَيْنِ ثَلاثًا ثَلاثًا.
الشَّرح:
الواجب غسل الرِّجلين مرّة واحدة، وما زاد فهو سنة، إلا أنه لا تجوز الزيادة عن الثلاث، إلا أن يكون في الرِّجْلَين طين أو نحوه فيُزاد لأجل الإنقاء.
ففي حديث عبد الله بن زيد: " وغسل رجليه حتى أنقاهما ".
والصحيح أن الكعبين والمرفقين يدخلان في الوضوء، ويجب غسل المرفقين مع اليدين، والكعبين مع القَدَمَين.
قال الشيخ رحمه الله:
هَذَا أَكْمَلُ اَلْوُضُوءِ اَلَّذِي فَعَلَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
الشَّرح:
هذا الوضوء الذي وَصَفَه الشيخ رحمه الله هو الأكمل والأفضل في الوضوء.
وهو أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً.
فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ مرّة مرّة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً.
روى البخاري عن ابن عباس قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة.
وروى عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.
وروى بعد ذلك حديث عثمان وفيه الوضوء ثلاثًا ثلاثاً.
فالثلاث أكمل من هذه الناحية.
ولا يعني هذا أنه ليس هناك أكمل منه.
فإنه جاء في الأحاديث تخليل الأصابع وتخليل اللحية للرَّجُل، وهذا أكمل من هذه الناحية، أي مَن جَمَع بين الثلاث في الوضوء، وبين التخليل فهو أفضل وأكمل.
ويجوز أن يكون الوضوء ثلاثاً في بعض الأعضاء ومرّتين في بعضها.
ويدل عليه ما رواه مسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري - وكانت له صُحبة - أنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث أصله في الصحيحين.والله تعالى أعلم.