وإن توضأ بنية رفع الحدث فإنه يكون مُتطهِّراً ما لم يُحدِث، فيجوز له أن يعمل الأعمال الكثيرة التي تتطلّب الطهارة من الحدث، كالصلوات الخمس، وما يُشرع له الوضوء كالطواف وقراءة القرآن.
ولقائل أن يقول: من أين اشترطتم النية ولم تَرِد في آية المائدة، ولا في صِفة وضوئه عليه الصلاة والسلام؟
فالجواب: أن الآية تضمّنت النية في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) فالقيام وقصد الصلاة نيّة.
وأما من وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كعثمان رضي الله عنه وعبد الله بن زيد رضي الله عنه وغيرهما فإنما وَصَفُوا الفعل دون القول، ولذلك لم يَرِد في وصفهم لوضوئه صلى الله عليه وسلم ذِكر البسملة في أول الوضوء، ولا التشهّد في آخره.
ثم إن الشيخ رحمه الله بيّن أن النيّة شرط في جميع الأعمال، وهي على الصحيح ثلاثة أضرب:
1 – أن تكون رُكن في العمل، وهذا يكون في الحج، فإن النية رُكن.
2 – شرط صِحّة، وهذا في سائر الأعمال، في الفرائض والوضوء ونحوها.
3 – شرط كمال، كالنيّة في الزكاة، فإنها إذا أُخِذت من صاحبها، أسقطت الطّلب عنه.
والحديث الذي أورده الشيخ رحمه الله رواه البخاري ومسلم من حديث عُمر رضي الله عنه، وهو حديث مشهور، وسبق شرحه ضمن أحاديث عمدة الأحكام، وبيان ما يتعلق بالنيّة.
والصحيح أن النيّة تدخل في أفعال التُّرُوك، أي يكون للمسلم نيّة فيما يأتي وفيما يَذّر.
فإنه إذا نوى ترك السيئة أُجِر عليها، وكذلك إذا ترك الانتقام ونوى بذلك نيّة صادقة أُجِر عليها، وهكذا.
وفرق بين من لا تطرأ عليه المعصية أصلا، وبين من ينوي وجه الله بِترك المعصية.
وقوله رحمه الله: متفق عليه. يعني أن البخاري ومسلم أخرجا الحديث عن صحابي واحد. فإن اختَلَف الصحابي فإنه لا يُقال فيه: مُتّفق عليه، وإنما يُقال: رواه البخاري من حديث فلان , ومسلم من حديث فلان.
والله تعالى أعلم.
شرح منهج السالكين – 12
قال الشيخ رحمه الله:
ثُمَّ يَقُولَ: "بِسْمِ اَللَّهِ".
الشَّرح:
أي عند بدء الوضوء.
والتسمية عند بداية الوضوء الصحيح أنها واجبة.
وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة بعنوان: كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء
ورجّح فيها ثبوت أحاديث التسمية عند الوضوء.
وتسقط عند النسيان.
قال الشيخ رحمه الله:
وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا.
الشَّرح:
يغسل كفيه ثلاثا على الاستحباب، فإن كان قام من نوم فهو آكد، بل جاء النهي عن أن يُدخِل يديه في الإناء من قام من النوم حتى يغسلهما ثلاثاً.
وهذا سبق بيانه في شرح الحديث الرابع من شرح العمدة.
وجاء في صِفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: " فأفرغ على يديه "
وفيه دليل على سُنيّة ذلك ولو لم يكن قام من نوم؛ لأن اليدين مَظِنّة الغبار والوسخ.
وهذا أيضا سبق التفصيل فيه في شرح الحديثين 8، 9 من شرح العمدة.
قال الشيخ رحمه الله:
ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلاثًا , بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ.
حُكم المضمضة والاستنشاق: مُستحبة عند جمهور العلماء في الوضوء والغُسْل.
وقوله ثلاثاً بثلاث غرفات:
أي يَجعل الغَرْفَة الواحدة بين الفم والأنف.
قال الشيخ رحمه الله:
ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا.
الشَّرح:
الثلاث على الاستحباب، بل ما زاد عن المرّة الواحدة على الاستحباب، إلا أن تكون الواحدة لا تُنقي أو لا تُعمم الماء على الوجه.
قال الشيخ رحمه الله:
وَيَدَيْهِ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا.
الشَّرح:
ويكون غَسْل اليد من أطراف الأصابع إلى المرافق، ويُدير الماء على مرفقيه.
وما زاد عن الواحدة فسُنّة إلا أن لا تُنقي المرّة الواحدة أو لا تُعمم الماء على العضو.
قال الشيخ رحمه الله:
وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إِلَى اَلْمَحَلِّ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً
الشَّرح:
مسح الرأس له ثلاث صِفات:
1 - أن يبدأ بِمقدّم رأسه، ويُمرّ يديه على رأسه حتى يبلغ بهما قفاه، ثم يُعيد يديه إلى مُقدّم رأسه.
2 - أن يبدأ بمؤخِّر رأسه، ويُمرّ يديه على رأسه حتى يصل بهما إلى منابت الشعر في مُقدّم رأسه، ثم يُعيدهما إلى قفاه.
¥