تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - ومما يؤكد عموم الحكم: ما جاء في قوله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً) ([4]).

فهل يقول أحد: إن غير نساء النبي يجوز لهن الخضوع بالقول، وغيره مما نهين عنه رضي الله عنهن؟! لم يقل بذلك أحدٌ من المسلمين.

الدليل الثاني:

ما رواه نافع (مولى ابن عمر)، عن صفية بنت أبي عبيد؛ أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي r أنها قالت، حين ذُكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: (تُرخيه شبراً). قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها. قال: (فذراعاً، لا تزيد عليه). وفي لفظٍ عند أحمد: أنها سألت رسول الله r عن ذيول النساء؟ فقال: (شبراً)، فقلت: إذاً تخرج أقدامهن يا رسول الله. قال: (فذراعٌ، لا تزدن عليه). وهذا حديثٌ صحيح، صححه الترمذي وابن حبان، ووقع في إسناده اختلافٌ لا يضُر ([5]).

ووجه الدلالة من هذا: أن قدم المرأة عورة يجب ستره، وقد أباح الشارع للمرأة الإسبال -وهو مُحرّم- وذلك لئلا تتكشف قدماها الواجب سترها.

قال البيهقي في الكبرى (2/ 233) عند هذا الحديث: (وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها).

وقال ابن عبدالبر في التمهيد (24/ 148 - 149) عند هذا الحديث أيضاً: (وفي ذلك دليل على أن ظهور قدم المرأة عورة لا يجوز كشفه في الصلاة ... وجرّ ذيل الحرة معروف في السنة، مشهور عند الأمة، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أبيات له:

كُتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جرّ الذيول).

قلت: وليس معنى كلام ابن عبدالبر أن قدم المرأة عورة في الصلاة فقط، بل معناه -والله أعلم- أن هذا الحديث دليل على أن قدم المرأة عورة مطلقاً، وبالتالي لا يجوز كشفه في الصلاة.

فإذا تقرر هذا: فَسِتْرُ وجه المرأة من باب أولى؛ لأنه مجمع الزينة، ولا يتصوّر من الشارع الحكيم أن يأمر المرأة بستر قدميها، ثم يبيح لها كشف وجهها!.

الدليل الثالث:

قوله تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) ([6]).

قال أبو الفداء ابن كثير في تفسيره (6/ 49): (كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوته ضربت برجلها الأرض فيسمع الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك، وكذا إذا كان شيءٌ من زينتها مستوراً فتحركت بحركة لتظهر ما هو مخفيٌ؛ دخل في هذا النهي).

وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى (3/ 217) على هذه الآية: (نصٌ على أن الرجلين والساقين مما يُخفى ولا يَحِلُ إبداؤه).

قلت: فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالرجل؛ لئلا تُعْلم الزينة المخفية كالخلخال، فمن باب أولى ستر الوجه؛ لأنه مجمع الزينة كما تقدم، وهو أعظم فتنة من الخلخال بالنسبة للرجال.

فهذه الأدلة وغيرها تدل على وجوب ستر المرأة لجميع جسمها، ومن ذلك الوجه.

وفي هذا الحكمة البالغة، والمصلحة التامة، من صيانة المرأة والحفاظ عليها، وفيه الحفاظ على الرجال من الوقوع في الفتنة، وهذا بدوره يؤدي إلى حفظ المجتمع وصيانته، فعلى المرأة التزام هذا والعمل به، وعلى وليها أمرها بذلك.

ثم أين هؤلاء الذين يفتون بجواز كشف الوجه في هذا الوقت، من النظر في الواقع، والتأمل في تصرفات النساء اليوم من كشفهن لوجههنّ، وتساهلهنّ بشروط ذلك.

وإذا أخذ العالم والمفتي في اعتباره مواطن الاتفاق التالية:

- أن تغطية الوجه هو الأفضل، فهو يدور بين الوجوب والاستحباب.

- إذا صاحب كشف الوجه فتنة، فإن كشف الوجه محرم، ومن الفتنة: كون المرأة شابة جميلة.

- عند فساد الزمان وكثرة الفساق، حرُم كشف الوجه.

- إذا صاحب كشف الوجه: تبرجٌ بزينة؛ حرُم.

- لا يجوز إخراج شيء غير حدود الوجه الشرعية، فالشعر والنحر لا يجوز كشفهما بحال.

فقد حكى ابن رسلان: اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق ([7]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير