تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرواية تنص على كيفية تحديد جنس الخنثى أكثر من مجرد كونه يرث من قبل مَبَاله، فإذا ثبت كونه يبول من ذكره فهو ذكر تُلحق به أحكام الذكورة كلها، وإن ثبت كونه يبول بفرجه فإنه يعتبر أنثى أمام الفقه فتلحق به أحكام الأنثى.

والإمام أبو حنيفة كان يرى الخنثى ذكرًا إذا كان يبول من مَبال الرجال، وإلا فإنه أنثى إذا كان يبول من مَبال النساء، أما إن كان يبول منهما جميعا فالحكم للأسبق منهما، ولا شك أن أبا حنيفة اطلع في ذلك على رواية سعيد بن المسيب لما سُئل عن شخص له خلق المرأة وخلق الرجل كيف يورث، فقال من أيهما بال ورث، فقيل أرأيت إن كان يبول منهما جميعا، فقال يُنظر من أيِّهما يخرج البول أسرع فعلى ذلك يورث". وهذا الذي انتهى إليه هو المذهب الذي عوّل عليه الحنفية في ترتيب الأحكام الفقهية للخنثى، إلا إذا استوى المبالان في السبق عندها توقف أبو حنيفة لانعدام الدليل على ذلك فقال: لا علم لي بذلك. أما صاحباه فقالا يورث بأكثرهما بولا، لأن الترجيح يكون بالكثرة كما يكون بالسبق، إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير، كما لا مزاحمة بين اللاحق والسابق. وأبو حنيفة أبى ذلك لوجهين أحدهما: أن كثرة البول تدل على سعة المخرج ولا معتبر لذلك، فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال، والثاني: أن الكثرة والقلة تظهر في البول لا في المبال، والآلة الفصل المبال دون البول، وباعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن يأخذ الآخر ذلك الاسم، وأما إذا خرج منهما جميعا فقد أخذا اسم المبال في وقت واحد على صفة واحدة. ثم إن أبا حنيفة استقبح الترجيح بالكثرة، فعلى ما يحكى عنه أن أبا يوسف قال: الخنثى في هذه الحالة يورث من أكثرهما بولا فرد عليه: يا أبا يوسف وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني، فاستبعد ذلك لما فيه من القبح، وتوقف عن الجواب، وقال لا أدري، وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب، كذا قال صاحباه: إذا استوى المخرجان في المقدار لا علم لنا بذلك، ومن جاء بعدهما من الحنفية اجتهدوا في ذلك، وقالوا الخنثى لا يخلو إذا بلغ هذه المعالم التي وصفها شيوخنا أن يكون مشكلا، لكن يزول إشكاله لا محالة بعد البلوغ بظهور علامات فيه تكون فاصلة بين الجنسين الذكورة والأنوثة، قال علاء الدين الكاساني:"وأما بيان ما يعرف به أنه ذكر أو أنثى فإنما يعرف ذلك بالعلامة، وعلامة الذكورة بعد البلوغ نبات اللحية، وإمكان الوصول إلى النساء، وعلامة الأنوثة في الكبر نهود ثديين كثديي المرأة، ونزول اللبن في ثدييه، والحيض والحبل، وإمكان الوصول إليه من فرجها، لأن كل واحد مما ذكرنا يختص بالذكورة والأنوثة، فكانت علامة صالحة للفصل بين الذكر والأنثى، وأما العلامة في حالة الصغر فالمبال .. ". فإذا تبينت عندهم تلك العلامات وميزته فإنه يلحق بأي الجنسين تشبَّه فلم يعد الخنثى مشكلا بل واضحا، فتجري عليه أحكام الذكورة إن بدت عليه علامات الذكر، أو أحكام الأنوثة إن بدت عليه علامات الأنثى. وإن استنفذت العلامات كلها أو تعارضت فإن الحنفية في هذه الحالة ـ لندورها ـ يلحقون الخنثى بالذي لا آلة له أصلا، ويسمونه الخنثى المشكل، ولم يقولوا ما لم يُعلم تذكيره ولا تأنيثه الأصل فيه التذكير، بل توقفوا في هذه الحالة.

ثانيا: الخنثى وإشكالية التكليف الفقهي عند فقهاء المالكية.

لم يُحفظ عن الإمام مالك في نازلة الخنثى شيء، وما نُقل عنه أن الخنثى ذَكر زاده الله فرجا فكلام منسوب إليه، وقد صحَّ عن تلميذه ابن القاسم أنه كان يقول: لم يكن أحدٌ يجترئ أن يسأل مالكا عن الخنثى المشكل. وكذا ابن المنذر قال: ولا أحفظ عن مالك فيه شيئا. لذا فإن الإمام مالك لم يبث في النازلة نظرًا إلى أنه لم يُسأل عنها، وأكثر الذين قالوا قد بث فيها هم من المتأخرين، حيث نظروا إلى مسألة الخنثى انطلاقا من حديث ابن عباس، فيحكم له بمخرج البول في نكاحه وميراثه وشهادته وغير ذلك من الأحكام الفقهية، فإن كان يبول من ذكره أُلحق بالذكور، وإن كان يبول من فرجه ألحق بالإناث، أما إن بال من المحلين معًا اعتبر الأسبق والأكثر، قال العقباني:"ويستدل بالبول قبل غيره لعموم الاستدلال به في الصغير والكبير ولدوام وجوده ... فلو بال من المحلين اعتبر الأكثر والأسبق". وهذا قول جمهور المالكية، ولم أعلم من خالفهم في هذا،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير