تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فينظر إلى مباله، فإن بال من آلة الذكورة فهو ذكر، وإن بال من آلة الأنوثة فهو أنثى، وإن بال منهما جميعا نظر إلى أيّهما أكثر فله الحكم، فإن تكافأت أموره فهو مشكل في حال الصغر، فينظر في كبره وبلوغه، فإن نبتت له لحية فهو رجل؛ لأن اللحية علامة الذكر، وإن لم ينبت له لحية وخرج ثدي فهو امرأة، فإن لم ينبتا أو نبتا جميعا نظر، فإن حاض من فرجه فهو امرأة، وإن احتلم من ذكره فهو ذكر، فإن احتلم وحاض، أو لم يكن من ذلك شيء فهو مشكل. وهذا هو الذي عليه جمهور المالكية إلا قليلا منهم قالوا لا وجود للمشكل إذ قد تظهر علامة تزيل إشكاله، والقاضي إسماعيل من أصحاب هذا الرأي وزاد عليه الحسن البصري من التابعين بقوله: لم يكن الله عز وجل ليضيق على عبد من عبيده حتى لا يدري أذكر هو أم أنثى.

ثالثا: الخنثى المشكل وإشكالية التكليف الفقهي عند فقهاء الشافعية.

لم يخرج الشافعية عن هذا، بل أضافوا إليه أنه إذا أشكل الخنثى حاله قبل البلوغ فلا يُرجى انتظار بلوغه حتى لا يخرج عن أحكام الفقه، بل المذهب فيه أنه إما رجل وإما امرأة وليس نوعا ثالثاً، والطريق إلى معرفة ذلك قبل البلوغ من أوجه، منها البول وقد مرّ سياقه، فإن كان يبول بالآلتين جميعاً نظر في الخروج والانقطاع والقدر، فإن كانا ينقطعان معاً ويتقدم أحدهما في الابتداء فهو للمتقدم، وإن استويا في التقدم وتأخر انقطاع أحدهما فهو للمتأخر، وإن تقدم أحدهما وتأخر الآخر فهو للسابق على أصح الوجهين، وإن استويا في الابتداء والانقطاع وكان أحدهما أكثر وزناً فوجهان، أحدهما يحكم بأكثرهما وهو مذهب الشافعي، والثاني لا دلالة فيه. أما عند البلوغ فيعتمد المني أو الحيض قبل باقي العلامات الأخرى في وقتهما، فإن أمنى بذكره فرجل، أو بفرجه أو حاض فامرأة بشرط تكرره، فإن أمنى منهما فوجهان أحدهما لا دلالة، والأصح أنه إن أمنى منهما بصفة مني الرجال فرجل، أو بصفة مني النساء فامرأة، فإن أمنى من أحدهما بصفة ومن الآخر بالصفة الأخرى فلا دلالة، ولو تعارض بول وحيض، فبال من ذكر الرجل وحاض من فرج المرأة فوجهان، أصحهما لا دلالة للتعارض فيكون مشكل، والثاني يقدم البول لأنه دائم متكرر، وقيل بل يُقدَّم الحيض لكونه مختصًا بالنساء والمني مشترك. ثم الولادة تفيد القطع بالأنوثة وهي مقدمة على جميع العلامات المعارضة لها باتفاق العلماء، لأن دلالتها قطعية وباقي العلامات ظنية. ومن الشافعية من قال مجرد الحمل معتبر في ذلك لنقطع بأنوثة الخنثى، كما ذهب أكثرهم إلى أن نبات اللحية ونهود الثدي لا دلالة فيهما لأن ذلك قد يختلف، ولأنه لا خلاف أن عدم اللحية في وقته لا يدل للأنوثة، ولا عدم النهود في وقته للذكورة، فلو جاز الاستدلال بوجوده عملاً بالغالب لجاز بعدمه عملاً بالغالب. أما عدد الأضلاع ففيه وجهان أحدهما يُعتبر، فإن كانت أضلاعه من الجانب الأيسر ناقصة ضلعاً فهو رجل، وإن تساوت من الجانبين فامرأة، وقد أنكر ذلك أبو المعالي الجويني فقال: "هذا الذي قيل من تفاوت الأضلاع لست أفهمه، ولا أدري فرقاً بين الرجال والنساء"، إضافة أنه لا أصل له في الشرع ولا في كتب التشريح كما قال الغزالي في كتابه الوسيط. ومن العلامات أيضا شهوته وميله إلى النساء أو إلى الرجال، فإن قال أشتهي النساء، ويميل طبعي إليهن حكم بأنه رجل، وإن قال أميل إلى الرجال حكم بأنه امرأة، لأن الله تعالى أجرى العادة بميل الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل، وإن قال أميل إليهما ميلاً واحداً، أو لا أميل إلى واحد منهما فهو مشكل. وقال الشافعية جميعا إنما نراجعه في ميله وشهوته، ونقبل في ذلك قوله إذا عجزنا عن العلامات السابقة، فأما مع واحدة منها فلا نقبل قوله، لأن العلامة حسية، وميله خفي، ولأن الميل إنما يظهر بعد البلوغ هذا هو المذهب الصحيح المشهور. وقيل وجه آخر أنه يقبل قول الصبي المميز في هذا كالتخيير بين الأبوين في الحضانة، وهذا ليس بشيء عندهم؛ لأن تخييره بين الأبوين تخيير لا تتعلق به أحكام بخلاف تخيير الخنثى فإنه يتعلق به حقوق كثيرة في النفس والمال والعبادات، وهو اختيار لازم لا يجوز الرجوع عنه على غرار التخيير في الحضانة إلا إذا كذَّبه الحس بأن يخبر أنه رجل ثم يلد بطل قوله، ويحكم بأنه امرأة. فإذا انعدمت في الخنثى هذه العلامات فهو مشكل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير