[((الأسانيد أنساب الكتب .. نظرية تطبيقية))]
ـ[أبو حازم المسالم]ــــــــ[20 - 06 - 03, 03:05 ص]ـ
بقلم/ محمود سعيد ممدوح
للأمة الإسلامية خصائص دونها العلماء في مصنفاتهم، ومن هذه الخصائص بل من أهمها خصيصة "الإسناد" أي إسناد القول إلى قائله أي حكايته عنه مسندا.
فمثلاً روى مالك في الموطأ (10/ 148تنوير): عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ". فنافع عن ابن عمر هو الإسناد و ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) هو المتن.
والإسناد من الدين فعن طريقه نصل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، وبه نميز الصحيح من السقيم، وهذه الخاصية لم تقع لأمة من الأمم السابقة، يقول عبد الله ابن مبارك وهو من أئمة الهدى: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، ولكن إذا قيل له من حدثك؟ بقى".اهـ (تاريخ بغداد 6/ 166) ومعنى ((بقى)) أي بقي متحيراً لا يدري ما يقول لأنه لا إسناد معه يعرف به صحة الحديث أو ضعفه.
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ثبوتها إلا بنقل الثقة عن نظيره.
وقد ذكر العلماء فضل الإسناد واختصاص الأمة المحمدية به في مصنفاتهم وانظر إذا شئت كتاب (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) للقاضي أبي محمد الرامهرمزي (ص517)
وإذا علم أهمية الإسناد و اختصاص الأمة المحمدية به فإن السنة المشرفة وهي أقوال وأفعال وتقريرات عن النبي صلى الله عليه وسلم قد دونت مسندة في كتب الحديث بأنواعها.
ولأهمية الإسناد ومكانته وجبت العناية برجاله الذين ينقلونه طبقة بعد طبقة وقد كتبت في أحوالهم مصنفات شتى متداخلة ومتباينة، وأفرد لبيان أحوالهم علم خاص هو علم "الجرح والتعديل".
وبعد تدوين السنة والعناية برجال الإسناد، أعقب ذلك مرحلة من مراحل توثيق السنة المشرفة.
وهي تتمثل في طلب توثيق الكتاب الذي صنفه المحدث، والذي جمع فيه قدرا من أحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتأكد من صحة نسبة ذلك الكتاب لمصنفه. ولتحقيق صحة النسبة للمصنف، استلزم ذلك وجود إسناد مقبول إلى مصنف الكتاب، فصحة نسبة الكتاب تتوقف على الإسناد، وصحة نسبة المتن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تتوقف على الإسناد أيضا.
فالكل مفتقر إلى الإسناد، وقد اعتنى الحفاظ بذكر رواة كتب السنة إلى مصنفيها فيذكرون الرواة الذين رووا صحيح البخاري، والرواة الذين رووا موطأ مالك 000 وهكذا.
وممن اعتنى بهذا النوع من الرواة، وجمعه في مصنف واحد الحافظ المتقن أبو بكر محمد بن عبد المغني المعروف بابن نقطة الحنبلي المتوفى سنة 629 من الهجرة رحمه الله تعالى، واسم كتابه (التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد)، وعليه ذيل للحافظ تقي الدين الفاسي المتوفى سنة 832 من الهجرة رحمه الله تعالى.
وهناك مرحلة ثالثة، وهي ذكر الأسانيد إلى أصحاب المصنفات عن طريق الوصول إلى رواة كتب الحديث، فمثلا يقال: موطأ مالك برواية يحي بن يحي أرويه عن فلان، ثم يذكر سنده إلى يحي، ثم يقول: الموطأ برواية محمد بن الحسن أرويه عن فلان ثم يذكر سنده000 وهكذا باقي الروايات. وهذا هو محل عناية كتب الفهارس والمشيخات والمعاجم والبرامج والإثبات، وكلها ألفاظ مترادفة لمعنى واحد معروف وفيه يذكر صاحب الفهرس إسناده إلى كتب السنة المختلفة.
فالأسانيد أنساب الكتب، فإذا أردت أن تبين صحة نسبة كتاب ما إلى مصنفه فانظر في إسناده إليه، واحكم عليه بالصحة أو الضعف وفق قواعد الحديث وبالتالي يمكن أن تصح دعوى صحة نسبة كتاب لمصنف ما أو لا تصح.
وبهذه الطريقة الفريدة والخصيصة العظيمة، انفرد المسلمون بتدوين سنة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ببراعة لا مثيل لها وإحكام لا ند له وإتقان استلزم الثناء الوافي من المخالف بله الموافق.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فكتب السنة المشرفة قد ثبتت نسبتها إلى مصنفيها، وفق هذه القواعد المستقيمة التي أفرد بها المسلمون.
وأمكن لعلماء الحديث بواسطة هذا المنهج العلمي المتميز معرفة الدخيل والمصنفات المنحولة على أصحابها وذلك لعدم توفر شروط القبول في الإسناد الموصل إلى المصنف المدعي نسبة الكتاب إليه.